معد المحتوى / أ.عواطف إسماعيل/ لندن
الشاعر الدبلوماسي صلاح أحمد إبراهيم ينعي صديقه
وصنو روحه البرفسور الروائي
القاص والناقد علي المك
ولد علي محمد علي المك في مدينة أم درمان في ١٢ فبراير من عام ١٩٣٧م وتوفي في مدينة نيومكسيكو .
تخرج في كلية الآداب جامعة الخرطوم وحصل على الدراسات العليا في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية .
في هذه القصيدة نعى فيها البروفسور صلاح أحمد إبراهيم صديقه علي المك من ديوان (نحن والردي)
مدينته الآدمية مجبولة من تراب
يتنطس أسرارها
واثب العين منتبه
الأذنين
يحدث أخبارها
هل يرى عاشق مدن في الحبيب
أي عيب؟
مدينته البدوية مجبولة من تراب
ولا تبلغ المدن العسجدية مقدارها
تتباهى على ناطحات
السحاب
بحي سما أصله لركاب
فاح شذى من "على"
حين غاب
جرت وهي حافية، في
المصاب
تهيل الرماد على رأسها
باليدين
تنادي على الناس:
وآحسرتا ويب لي
ويب لي
فقدنا الأديب،
فقدنا النجيب،
فقدنا اللبيب،
فقدنا "على"
فقدنا الذي كان زين
المجالس، زين الصحاب
فقدنا شهامته،
وفقدنا شجاعته،
وفقدنا شهادته،
وفقدنا كتابته، ودعابته،
والحديث الطلي
حسرتا ، ويب لي ، ويب
لي ، ويب لي
حين قيل لها بإنتحاب ،
إسترد الوديعة صاحبها ، إستحملي !
ذهلت في المصاب
تتمتم : يا رحمة الله لم
تبخلي
لمن دونه أعطيات ،
فكيف وهذا "على"
حنانيك كوني دريئته
في الحساب
ومغفرة وثواب
وبشي مرحبا بالملائك
عند الأرائك
بثي الزرابي للمقبل
وقولي له:
أدخلٍ
يبر بك الله في الكوثر
المستطاب
قسم الأشعث الأغبر
المستجاب
بكى رافعا كفه: يا كريم الجناب
بحق جلالك .. أكرم
"على"
على !
يا أخي ، يا شقيقي
على ، شريك النضال ،
على رفيقي
ويا خندقي في الحصار ، يا فرجي وقت ضيقي
ويا صرة الزاد تمسكني
في اغتماض الطريقِ
ويا ركوتي كعكعت في
لهاتي وقد جف ريقي
على .. زراعي اليمين ،
على خريفي
ونيلي ، وجرفي ، وبهجة ريفي
"على" تتمة كيفي ،
وسترى في أقربائي
وضيفي
"على" إنطراحة وجهي
في الإكتئاب
وشوراي إن عدم الراي ،
يا عوضي في الخراب
ألا اين أنت أجبني ، أتسمعني يا "على"
أتسمع أحبابك الأقربين
تركتهم للمكان العلى ؟
ألا أين ليلاتك
المائسات ؟
وأين زياراتك الآنسات ؟
وأين إئتلاف الثريا ؟
وأين إنطلاق المحيا ؟
وأين إندفاق قوارير
عطرك في المحفل ؟
تشاغل "مخ" وعلاء ،
وعبدالعزيز ،
وبعد صلاة العشاء
"أبا سمبل"
وتحكى نوادر من
"سَيّنةٍ"
وتحكي أقاصيص
عن "صندل"
وأنت تغني ،
وأنت تقلد هذا وذاك ،
وتنعشنا بالحديث الأنيق
تدير على مجلسٍ للندامى ، بحلو لسانك كأس
رحيق
وما كنت إلا السماء
تمشت عل الأرض هونا ،
يمازحها ويناديك في
ألفة وبلا كلفة:
يا على !
يا على !
كادح في الفريق
"على !"
يا خدين الصبا ، يا شهي الجواب
ويا توأم الروح ،
الأمنيات رطابا
تذكرنا مفلسين نفت
عن "منص" يسعف ،
والشهر في الأول؟
تقول سيمسكنا بحديث طويل ، ولكن سيكشف
ثانية للحساب
و"منصور" ذو نجدة
وسخاء ، اذا ما قصدناه
لم يخذل
فهيا بنا ودع الأمر لى
"على"
يا "على"
أتسمعني يا "على"؟
أتذكر: أين فطورك؟
"أنت وتوفيق تتهماني"
بأن ليس ذلك للمأكل
ولكن محاولة لإقتراب
أقول: ألا خبتما خبتما ،
فهذا كذاب
ونضحك رقرق بللورنا -
ليس بين الصحاب
خبيث طوايا ، ولؤم
ارتياب
وما استوجب الشك
بعض ملام ، ولا الاتهام
العتاب
ولكن معابثة قربتنا
كم نظم الخيط
در الحلى .
"على" أجبني: أهل بعد
الموت
إلتقيت بتوفيق
في الملكوت؟
وقلت لتوفيق زين
الشباب
فقدناك توفيق ، لكننا
ما نسينا نداوة
تلك السجايا العذاب
ولا خفة الدم ، لا الخلق
الشهم ، لا الأريحية ،
لا المزحة الأخوية ،
لا صدحة البلبل
ألا يا ابن عمي شهيد
الوفاء ، ويا جمل الشيل. جم الأيادي ، وكنت
ببر خفي صموت
رمتك المنية في مقتل
وقد كمنت في طريق
"أبى قوتة" و"قلي"
فوا حر قلباه.. وا حر قلباه..من نازف في الطريق
وللموت قهقهة سمعتها "القطينة".. غير مصدقة
في دجى ليلها الأليل
فأضمرت توفيق
في الجوف جمرا
تلظى حقيقي
وكنت أبن عمي ،
وكنت صديقي
و"عثمان" ظل الوفي
الحفي..
يؤازرني وأنا في
احتراب
ويدنو يسلسل ضحكته ، فإذا عتماتي بطلعته
تنجلى
يعزز من عدتي وعتادي ، يسدد من لكماتي القوية
ويمضي كما جاء في
لمحة كالشهاب
يردد في كل آونة : "ظلموك صلاح"
وأنت المبرأ من
ظلمهم - أن هذا جلي .
وكان يودك "عثمان"
هذا الحميم ،
يبرك باللفتة الالمعيه .
وكنت تراني الشجاع
الذي وحده بشجاعته
شكل الأغلبية
وكنت تراني تحديت
حتى كأن مقالي
زحف سريه
وقد كنت أنت - على
- كذلك..
ما بعتنني قط رغم
توالي العروض الخفية
معي ! ومعي ! ومعي !
ما تلفت أبحث عنك
أقول اختفي صاحبي
في المضيقِ
معي ! ومعي ! ومعي !
ما تساءلت في لحظة :
أين زاغ رفيقي
وكنت أعدك ذخري ، إلى أن سمعت أخي من وراء المحيط
أخي "الكابلي"
يصيح ، ولم أتعرف على صوته من بكاء:
صلاح،، فقدنا أخاك،
فقدنا أخانا، فقدنا
"على"
* لم يعش صلاح أحمد إبراهيم براهيم بعد وفاة صديقه علي المك سوى أ شهر معدودة ليلحق به وبصديقهما توفيق في الملكوت الأعلى .
تغمد الله هذه النخبة الجميلة التي أثرت أرض السودان بالثقافة والأدب والدبلوماسية وبروح الأخوة الصادقة وجعلت منهما موردا لا ينضب حتى بعد وفاتهم وكأن الأمهات لم ينجبن غيرهم في الزمن الجميل ... حيث شح الشعراء ، والادباء والفنانون في زمن صلاح وعلي وكابلي .
الفنان / عبد الكريم الكابلي
تعليقات
إرسال تعليق