التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الثورة السودانية وتحقيق العدالة

 تحقيق

الكاتب: مهاجر محمد مهاجر 

أصبح موضوع العدالة بندا من البنود الثابتة فى كل المفاوضات التى سعت إلى وقف الحرب و إرساء السلام فى السودان. وما لم تضمن مفاوضات السلام الحالية العدالة الكاملة للأقاليم التى دمرتها الحرب فان مسألة إنهاء الصراع تصبح مجرد أمانى. وليست مناطق النزاع المسلح فقط لكن كل السودانيين يحتاجون أن يحصلوا على العدالة التى يستحقونها.

 وهذا المقال يتناول موضوعات العدالة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية.

  إتسم  نظام الحكم فى السودان بالمركزية على الرغم من إتساع القطر وتنوع ثقافاته وبيئته. وعلى الرغم من تبنى نظامي النميرى والبشير للنهج اللامركزى إلا أنها كانت لا مركزية شكلية ، حيث كان الحكام يعينهم الرئيس وهم أصلا من أصحاب الولاء للحزب الحاكم و أحيانا كثيرة يكون الحاكم ليس من سكان الإقليم   المعين . 

وتكون كذلك السياسات والممارسات مدمرة لذلك الإقليم . وخير مثال لذلك الحروب التى دمرت وشردت و أبادت   الأعداد الكبيرة من السكان والممتلكات فى دارفور والنيل الأزرق وشرق السودان وجبال النوبة.

إن العدالة ليست هى المساواة لكن المساواة يمكن أن تكون فيها عدالة . ففى الدول المتقدمة مثلا يتساوى المواطن والمقيم فى الحقوق الإجتماعية الأساسية مثل حق العلاج وحق الحصول على سكن وحق التعليم والعمل وغيره لكن المقيم لا يحق له المشاركة فى الإنتخابات .

وبالمقابل فان فرض الضرائب التصاعدية على السكان هى سياسة عادلة بالرغم من تذمر بعض الرأسماليين من الضرائب العالية التى يدفعونها. 

إن مطالبة بعض الأقاليم بالفيدرالية الموسعة هى مطالبة عادلة لأنها تضمن وقفا دائما للحروب حيث تعطى تلك الأقاليم الكثير من الصلاحيات والضمانات ،  هنا تكمن فى شكل الفيدرالية وشروط تطبيقها . 

والحديث عن مساواة الأقاليم فى شكل الحكم هو حديث فارغ المحتوى  لأن  الهدف من التوزيع العادل للسلطة هو وضع حد للحروب و إرساء السلام العادل والدائم .

 وبنفس المستوى فان الدولة تفوض بعض السلطات لمنظمات المجتمع المدنى لكى تتمكن من القيام بدورها فى التوعية وتنمية القدرات والمهارت وتقديم كافة أشكال المساندة والدعم لأفرادها وللسلطة .

يقف غلاة الليبراليين ضد الضرائب التصاعدية ويعتبرون ان من الظلم ان تدفع تكاليف الفقراء من خزينة الدولة. والصحيح ان مساهمة الفقراء فى ميزانية الدولة قليلة لكن مقاييس المساهمة المجتمعية هى ليست مادية بحتة, فهنالك اشكال متعددة من التضامن المعنوى يقدمها افراد المجتمع لبعضهم البعض . علاوة على ذلك فان المجتمع يستفيد من افراده المتعلمين والاصحاء ويرذل بترك الفقراء فى تعاستهم.

إن الليبرالية المتطرفة تتمظهر في  دعمها المطلق للعولمة ومؤسساتها مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى والمؤتمر الإقتصادي العالمى ومنظمة الملكية الفكرية وغيرها من المؤسسات. والهدف النهائى لهذه المؤسسات هو الهيمنة على إقتصاديات الدول الفقيرة على الرغم من بعض الفوائد التى قد تجنيها تلك الدول من بعض أشكال التنمية الرأسمالية مثل الإستثمار الأجنبى المباشر والشراكات المتنوعة. لكن هذا الإستثمار أحيانا يترك الدول الفقيرة ترزح فى ديون يتطلب سدادها عقودا طويل. وفوق ذلك لا تقوم الشركات بإلتزاماتها تجاه المجتمعات التى تقام فيها المشاريع التنموية.

الصحيح أن الملكية الفكرية هى حق للمبتكر لكن الصحيح كذلك أن بعض المنافع يجب ألا تترك للسوق لكى يحدد قيمتها ؛ مثال لذلك الدواء والتعليم . 

فليس من العدل أن يترك الملايين من الفقراء يموتون بالأمراض والأوبئة بسبب حقوق الملكية الفكرية. كذلك فإن للفقراء حق فى التعليم المجانى الجيد ، على الأقل التعليم ما قبل الجامعى.

على الرغم من ثراء السودان بموارده الكثيرة إلا أن الرأسمالية السودانية ما زالت تعيش فى نمط تجارى متخلف وظالم وهو الإحتكار .

 إن السواد الأعظم من دول العالم يمنع الإحتكار  ، ويعتبره جريمة يعاقب عليها القانون .  وبالاضافة للإحتكار فإن النشاط التجارى الطفيلى تزايد وأصبح سمة غالبة فى السوق خاصة فى ظل نظام البشير البائد . و إذا أضفنا الفساد فان الصورة تكتمل لنشاط إقتصادى مدمر للبلد ومبدد لثراوته .

يبدو  أن مهمة الحكومة الحالية صعبة جدا بالنظر إلى مطلوبات العدالة السياسية والإجتماعية الإقتصادية ؛   وتوقعات المجتمع من ثورة ازاحت طغمة البشير الفاسدة من الحكم ولم تستطع بعد من إزالة الدولة العميقة و آثار التمكين .



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزياء الشعبية السودانية - الزي الرجالي

بقلم / سناءحامد إلياس  تختلف أشكال الزي الرجالي   بإختلاف الأقاليم و المناطق داخل السودان و لكن حديثنا سيكون عن الزي المتداول على أوسع نطاق .                     ( الجلابية  ) تصنع من القماش و هي فضفاضة ذات أكمام واسعة و ذلك لدخول الهواء و التبريد و جيوب على الجانبين و ذات فتحة أمامية و تغطي كامل الجسم بقامة الرجل . تتشابه في كثير من أقاليم السودان و أيضآ الغالب الأعم فيها اللون الأبيض قديما و قماشها قطني . فالسودان كما هو معروف يقع في منطقة حارة تحتاج إرتداء الأزياء القطنية التي تناسب هذه الأجواء . و هناك نوع آخر من الجلاليب  تثبت عليه الجيوب أعلى الصدر و الظهر ، و تبدو الجهتان الأمام  والخلف بنفس  الشكل ، و لهذا حكمة فعندما ينادى للنفير الذي يستوجب سرعة الإستجابة  فيرتديها الرجل بسرعة لتلبية النداء و يكون وضعها صحيحا . و هناك لباس آخر هو :                   (العلى الله) و هي عبارة عن قميص أقصر من الجلابية ،   ومعه سروال يصل إلي أخمص ...

قصة أغنية.. عشرة الأيام

 إعداد/ وصال صالح  تعتبر أغنية (عشرة الأيام) من روائع الغناء السوداني الحديث ومن أجمل الألحان التي قدمها العملاق عثمان حسين مع رفيق دربه الشاعر الفذ عوض أحمد خليفة.. خطوبة شاعر ولعشرة الأيام تحديداً قصص وحكاوي سردها فيما مضى الراحل عوض أحمد خليفة، إلا أن النواة الحسية والمعنوية لميلاد (عشرة الأيام) كانت خطوبة شاعرها من إحدى حسناوات أمدرمان التي أعجب بها إيما إعجاب، وبعد أن تقدم أهل وذوو الشاعر بالخطوبة لتلك الملهمة تم القبول والتوافق بين الأسرتين، إلا أن هنالك مستجدات طفت على السطح وهي سفر خليفة لأوروبا في بعثة عسكرية تأهيلية وقتها أحس أهل المخطوبة بأن ذلك المشروع سيأخذ وقتاً طويلاً يحسب من عمر الفتاة، وبعدها ساقت المقادير الموضوع برمته إلى هاوية الفشل والضياع حتى تقدم أحد أقرباء الفتاة وتمت الخطوبة ومن ثم الزواج وكل ذلك وعوض بأوروبا لذلك قال في بعض أبيات القصيدة (ليه فجأة دون أسباب ومن غير عتاب أو لوم – اخترت غيري صحاب وأصبحت قاسي ظلوم).. ترجمة (لايف) الأغنية كانت بمثابة شاهد إثبات على حساسية عوض الشاعرية العالية وإمكاناته الفنية المهولة فقد كتب الأغنية ولحنها وغناها وهو...

مرثية الشاعر /صلاح أحمد إبراهيم في صديقه الروائي / علي المك

معد المحتوى  / أ.عواطف إسماعيل/ لندن  الشاعر / صلاح أحمد إبراهيم  الشاعر الدبلوماسي صلاح أحمد إبراهيم ينعي صديقه   وصنو روحه البرفسور الروائي القاص والناقد علي المك  ولد علي محمد علي المك في مدينة أم درمان في ١٢ فبراير من عام ١٩٣٧م وتوفي في مدينة نيومكسيكو . تخرج في كلية الآداب جامعة الخرطوم وحصل على الدراسات العليا في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية . الروائي/ علي المك  في هذه القصيدة  نعى فيها البروفسور صلاح أحمد  إبراهيم صديقه علي المك من ديوان (نحن والردي) مدينته الآدمية مجبولة من تراب يتنطس أسرارها واثب العين منتبه  الأذنين يحدث أخبارها هل يرى عاشق مدن في الحبيب أي عيب؟ مدينته البدوية مجبولة من تراب ولا تبلغ المدن العسجدية مقدارها تتباهى على ناطحات  السحاب بحي سما أصله لركاب فاح شذى من "على" حين غاب جرت وهي حافية، في  المصاب تهيل الرماد على رأسها  باليدين تنادي على الناس:  وآحسرتا ويب لي   ويب لي  فقدنا الأديب، فقدنا النجيب، فقدنا اللبيب، فقدنا "على" فقدنا الذي كان زين  المجالس، ز...