التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الدبلوماسي الصادق عبد الله : تاريخ حافل و مسيرة عطرة


✍الصادق عبدالله _جيبوتي 


حكمة:  أفشوا السلام بينكم.. 
إسمي : الصادق ود الحاج عبدالله ود عبدالله ود أبوعياشة رحمه الله رحمة واسعة . وأمي رحمها الله رحمة واسعة  أم سلمة بت  الفكي عبدالله ود مقداري .. و عياشة هي البنت الكبرى لجدنا الأعلى حسب الله أبو عياشة إشتهر بها و إشتهر بها أولاده وأحفاده من بعد .
ولدت في البادية شمالي سنجة ، في عام  تغيير العملة السودانية . في يوم الجمعة الخامس عشر من رجب ، قمر سبعتين (رواية أمي رحمها الله) ،  حسبت ذلك بالحاسوب فوجدته ، وعجبت أن تزامن مولدي مع عيد شهير في فبراير  فلكم كل المودة . 

ترتيبي  الثالث في أسرة فيها أربعة بنات و أربعة أولاد ،  ولمرضي المبكر خاف علي والدي من  أن يحين أجلي ( اللهم اسألك حسن الخاتمة) ، حيث لا طبيب  ،  حتى ولا مقابر في رحلة النشوق (رحلة البدو في الخريف) . فأقامت الأسرة وحطت عصى الترحال إلى قرية زينوبة (وقصة مكتوبة) .. ولما شفيت (حمدا لله وشكرا) استأنفت الأسرة الترحال.. وأذكر تلكم الرحلة وعمري لم يتجاوز الثلاث سنوات وقتها،  في السنة  التي إنتقلت فيها على ظهر بعير ، ولم أعد حتى عدتُ مرة أخري على ظهر البعير للمدرسة التي بنيت وقتها بقرية مجاورة ، حلة الشيخ حسن عبدالله دريبو (أو حلة المسبعات) .

لي بنتان وثلاثة أولاد و حفيد .. الدكتورة الصيدلانية إسراء الصادق  و  مهندس تقنية إتصالات محمد الصادق  ، مهندس ميكانيكا أحمد الصادق  و طبيب يوسف الصادق ولينة الصادق في الدراسات الطبية  ثم الحفيد إبراهيم عمر محمود الذي  ينحدر من جهة والده من شرق السودان .

عشت في البادية  في السهل بين النيلين جنوب خط السكة الحديد الرابط بين النيلين ،  في بادية تضم اللحويين  رفاعة ، كنانة. ، دغيم ، الكرتان ،  النفيدية   و العريقات .  وقرى هناك تنتشر كالنجوم  .  ينساب بينها النيل محاولا نظمها مثل الخرز ٠ . كأنها أختيرت لتكون نموذجا لذلك  . لذلك شخصي ناطق بها (أي اللغة العربية) ومستمع بعناية لغيرها.. كل الإيقاعات هناك من المردوم حتى الدليب .. الحداء والطمبارة والدلوكة والنقارة .. والكيتا.. عالم جميل..زي جدي الريل أبو كزبمة.. والكزمة هي الانف.. والمعنى واضح .

درست بمدرسة دريبو الصغرى (والمدرسة الصغرى هي ثلاثة فصول فقط) على ضفة النيل الأزرق الغربية ، قبالة قرية تريرة مدني ، شمال غربي السوكي ، كنا نغني ونرى نهر النيل الأزرق ونرتاده و نشرب منه الماء (أنظر أخي للنهر فيه المياه تجري. تجري على إستمرار بالليل والنهار) ، درسنا حسن والصفارة وحفظنا سورة الليل ،  و إمتحنا في منافسة لنحو خمسة عشر مدرسة للدخول إلى السنة الرابعة .

ثم إنتقلنا في دفعة غير مسبوقة و غير ملحوقة ، بدلا من سنجة الغربية ذات الرأسين إلى مدرسة كركوج الاولية ذات الرأسين  ،  و إلتحقنا بفصل رابعة (ج) ، فصل أضاف رأسا ثالثة ،  جاورنا الشريف محمد الامين .. أزرق كركوج .. شهدنا حلقات درسه وذكره ومآدبه العظام.. و إرتدنا مسجده المفورش بالأبسطة والمعطر بالبخور  ، وزاملنا هناك إخوانا لنا من الصعيد ،  تعلمنا منهم (هودنا يا هودنا.. ما شبعت يا جنا..) . وفي رحلاتي تلك ضاعت لي مسرجة (مصباح) ،  وضعتها في صندوق اللوري الجانبي مع الصفيحة وصندوق مفاتيح المساعد  ففقدتها .

(2) الدخول للوسطى:

كنّا في رحلة للإعادة حتى جاءت مايو  ،  رحم الله أبو تاج ،  لتعلن مايو عن قبول كل الناجحين داخلياً .. بدون فرز.. دخلنا إلى سنجة الأميرية  لتتحول إلى سنجة الثانوية العامة واحد؟؟ بعد أن تحولت كل المدارس الوسطى إلى ثانويات عامة ، جاء ما يقارب حوالي الأربعمائة فتى في فناء المدرسة ،  مع أولياء أمورهم  ليعلنوا أنهم ناجحون وأن الثورة تقول بقبولهم تمت تسميتنا بفصول (الإستيعاب) بدأنا دراستنا مسائية .

تحول وقتها مبني قاعة الطعام إلى مسكن .  ونقلت سفر الطعام إلى ظلال أشجار النيم ، وتحولت برندات الداخلية هي الأخرى إلى مساكن . جاءني يوما أبي  فسألني عن صلاتي  فأجبته  أصليها إلا العصر حيث نكون في الفصول ، فقال لي أجمع بين الظهر والعصر ففعلت ، ثم سألته يوما أن يصنع لي حجابا لقرب الإمتحانات والكثير يفعلها ، قال لي :  (الحجاب ما بجيب فايدة لو ما قريت) .. (إقرا قرايتك) .. وقد فعلت (بدون حجاب إلا الدعاء المستجاب بمشيئة الله) . اللهم تقبل منه إنك أنت العزيز الرحيم .

هناك تم إختيارنا إلى فصل الشهيد عبدالرحمن ود النجومي ( لقد كتبت عنه و أرجو أن أنشر ذلك) . فبعد أن كان الفصلان الأولان عمارة وجماع ، جاءت فصول النجومي و إبن خلدون ومعاوية وعبداللطيف وطارق وعرفات  .  وقد ضم ود النجومي نجوما زاهرة في المجتمع ...  المهندس على بشير الخضر ، المهندس عمر عبدالله الطاهر جلجال ،  المهندس يوسف أحمد يوسف شيخ العرب ، اللواء يونس محمود محمد . وآخرين أفاضل أذكرهم كما اليوم ، إلا القليل ممن قصرت عنه الذاكرة ،  وقتها أرجع لزميلي (للعرّيف) بسنجة الدكتور عبدالرحمن هويد .. حفظه الله ، فهو ألفة الفصل وقائد طابور الصباح  ، مع وكيل المدرسة الاستاذ محمد مالك .

وقد ضمت مدرسة سنجة الأميرية العباقرة ، فهناك تسمع أسماء لها أجراس خاصة عندما يوزع البريد في طابور الصباح . عتيق.. الهماك.. الحجاز.. الجبلابي.. الجزولي.. الحويرص.. النجومي.. جلجال. .. قوتة.. تقلي .. وأسماء وشخصيات مكتملة  العاجب .. العادل .. يعقوب.. ضيف الله محمود ضيف الله.. الجاك بابكر الجاك.. صديق فضل الله منصور.. محمد عبدالله علي (النوراني) وهكذا أسماء لا أحصيها .. ولا زلت أذكر استاذ عوض الله بقامته القصيرة.. يعلن الأول عزالدين محمد حسب الكريم (الرماش)  ، الثاني عبدالسلام إسماعيل (كركوج) ،  الثالث خالد حمد الفكي (كركوج ) ، أو هكذا كان الأوائل .

وقد مكثنا في سنجة الأميرية  سنوات خمس .. بدلا من أربعة الأميرية.. تمددت الارض تحتنا .. وعرفنا زملاء من كافة بقاع أرياف المنطقة.. وقد لعبنا الدافوري والضقل.. والرنق (الحلقة).. كانت لعبة الحلقة مداها أربعة عشر نقطة.. نسأل الله العافية لزميلنا الشمباتي الدكتور الحاج عبدالله يعقوب (ود الضيف)  ،  الذي برع فيها وسمي الحاج فورتنا.. عندما تطول اللعبة .. يقال له يالحاج فورتنا. فيحسم اللعبة التي لا يقف أمامه فيها أحد .. بل وأدرنا الكرتلة المضمونة ومبرشمة .

وهناك تتفتح الأزهار.. إنضمت إلى جمعية الفنون تحت إشراف الأستاذ محمد أحمد حوبات.. في صحبة الإخوة فضل المولى عبدالصادق (زنقار) ، وعمادالدين  علي أحمد  ،  و إبراهيم عبدالله ( إشتهر في حنتوب في مباريات كرة السلة ب (مور) وآخرين  وفي معارض المدارس بيعت لوحاتي بمبالغ عادت علي بالمال فاكتسيت جلبابا من اللينين ،  وقد أقامت سنجة الأميرية حفلا موسيقيا خيريا أحياه الفنانون : حمد الريح ، زيدان ابراهيم ، عبدالعظيم حركة ، ثنائي النغم والكوميديان الزوحي).. ونحن راجعين في المغيريب ،  لا حد يشوفنا لا نشوفو وفي بعدك يا غالي أضناني الألم سنجة الأميرية قصة طويلة كتبتها (ارجو نشرها يوما ) .

عندما جلست إلى إمتحان الشهادة الصغرى .. في مارس 1973، كانت مجموع  160/240 كفيل بإدخال الطالب مدرسة ثانوية داخليا.. فأحرزت مجموع 191/240 درجة ، كانت تفاصيلها كالآتي: (19/20 تربية إسلامية، 25/30 تاريخ، 23/30 جغرافية، 34/40 علوم، 32/40 رياضيات، 27/40 إنجليزي، 30/40 عربي)..

دخلنا حنتوب الجميلة. الجميلة الجميلة.. فوجدنا الطلاب الموهوبين هناك  ، وقد كنت ضمن رهط من تسعة طلاب من مدرسة سنجة الأميرية  ،  تم قبولنا بمدرسة حنتوب الثانوية (يحي آدم إدريس، خالد حمد الفكي، عمر عبدالله الطاهر جلجال، عمر يحي عمر، محمد رحمة الله حمد النيل، مبارك بشير العيس، وشخصي، ولا أذكر البقية الآن.

(3) طالب في حنتوب الجميلة:

وفي العاشر من يوليو 1974 أو نحوه ، مع إنتظام موسم الأمطار وجدت نفسي أجتاز مدينة سنار شمالا ، للإلتحاق بمدرسة حنتوب الثانوية العليا ،  وما أدراك ما حنتوب ،  مدينة للعلم مكتملة بداخلياتها ، ومنازل الأستاذة،  و ميادين الرياضة الخضراء ،  وأنشطتها الراتبة في المسرح والرياضة والنادي العلمي والمعارض السنوية .  كان طلابها في وقتنا ألف ومئتين طالبا ، و عدد الأستاذة نحو خمسين أستاذا ، وما يفوق المائة من العمال ، زاملت هناك نجوما زاهرة في الحياة والمجتمع ،  سلكت دربي في الفصول (ليوناردو.. الرازي.. ابن رشد) ،  وكنت في داخلية ود عدلان  ثم عبرنا إلى الجميلة ومستحيلة جامعة الخرطوم  نحو الزراعة في شمبات .

(4) كلية الزراعة جامعة الخرطوم :

وفي الجامعة  أصبحت حنبليا (على قول الشيخ بابكر بدري) ،  حيث إلتزمت بالمسجد بعد وصية مغلظة من أبي الحاج عبدالله .. حفظه الله.. إذ كان يخشى أن تلتهمني المدينة.. فوجدت فيه أخوة اشهد لهم بصلاح المعدن وصدق السريرة..
وفي الجامعة تعلمت التجويد حيث حضرت كورس التجويد ( فترة أسبوعين ) يوميا من السابعة صباحا وحتى السابعة مساء .. مع فاصل قصير في النهار ..الذي إعتمده البروفسور عمر بليل .. وأداره الدكتور طه أحمد المكاشفي .. ولديه دار لتحفيظ القرآن جنوبي أربجي .
وكنت قد أصبحت لاعب نص خطير  في الإعلام ،  لطبيعتي قد دخلت إلى عالم الصحافة الجامعية بعمق وقوة ، و إلتحقت بجمعية الصحافة ،  لأتعلم الكثير ، وتلقيت دورة هامة في الصحافة قدمها دهاقنة الإعلام ،  رحم الله الدكتور الطيب حاج عطية و أبوبكر عوض و حفظ الله خالد المبارك ومختار الأصم والطيب زين العابدين وآخرين .  ثم كورس آخر في الخط العربي  و أقتنيت الكتب ومنها كتاب أذكره اسمه فن الإعلان ،  إشتريته من سودان بوكشوب.. أفادنا كيف نعلن لحلقات النقاش والندوات السياسية والمواسم الثقافية ،  و إطلعت بصورة راتبة على أهم مجلات ذلكم الزمان... الحوادث البيروتية والمستقبل والأمان والأمة والدعوة والدستور.. و إشتراك راتب في الصحف اليومية.. إلى متابعة قنوات الراديو العالمية بشكل راتب ودقيق.. وقد شاركت في ما قد يصل إلى الألف صحيفة حائطية  أو زهائها.. ولم يبق.. موضوع إلا كتبت فيه.. وقد ساعدني ذلك لاحقا لنيل  شهادة القيد الصحفي بسلاسة فائقة ، ومعلوم كم هي عصية عتبة نيل شهادة القيد الصحفي .

وقد كتبت في الصحف السودانية كثيرا.. منذ الرآية. وألوان .. والتيار.. والحوادث. و الرأي العام و الوطن ثم المستقبل التي نشرت فيها حلقات من حياة الشيخ بابكر بدري وغيره ولدي مقالات بصحيفة سودانايل الإلكترونية  ولدي صفحة في الفيس بوك فاقت مقالاتها الثلاثمائة صفحة (مقال ) .

وقد إشتركت في فترة الجامعة في إنشاء مكتبة مسجد شمبات ،  فقد طفنا على مكتبات العاصمة وإنتقينا أمهات الكتب في التفسير والسير ، وكتب الفكر الإسلامي قاطبة والفقه . ومنها فقه السنة ، الفقه على المذاهب الأربعة ، الأم للشافعي ، المحلي بالآثار لإبن حزم الأندلسي ، المغني عن حمل الأسفار في الأسفار لابن قدامة المقدسي والفتاوى الكبرى لإبن تيمية وكتابات للأئمة الاعلام .. النووي والباجي و إبن القيم والمودودي.. ومن يومها أصبحت زيارة دور عرض الكتب سمة راتبة.. وقد إمتلكت خلال حياتي اللاحقة مكتبة وإن كانت غير كبيرة بمقايسس المكتبات لكنها نوعية ضمت بعض المئات من الكتب ، ثم رفدها الكتاب الإلكتروني ، ويكفي أن تكون بينها سلسلة عالم المعرفة، وموسوعة البروفسور عبدالله الطيب (المرشد إلى أشعار العرب وصناعتها) ، وقد داومت على شراء وقراءة والإحتفاظ بمجلة العربي . الآن أنتقي الكتب السودانية بعناية خاصة .

في العام الدراسي الأخير دخلت إلى قسم البساتين  ، و في النفس شيء من الغابات أو الإنتاج الحيوان  ،  ولي في كل قصة قادتني لقسم البساتين.. سلكت ذلكم الدرب الأخضر بين البساتين..  فقد كنت الرحيق والبرتقال معا.. والنور والعطر...

وفي الفترة الجامعية عملت عاملا بالمنطقة الصناعية الخرطوم في دكان إسبيرات لأخ إسمه فاروق رحمة  الله من شمبات الحلة.. كما  عملت في عام 1980 في فرق جمع الآثار الإسلامية ، تمهيدا للإحتفال بالقرن الخامس عشر الهجري.. من كافة المساجد والخلاوي بين بربر والدمازين.. قد كنت في مجموة مباركة من الشيوخ عوض عبدالظاهر.. حسين عوض حسين.. خالد الشريف محمد الماحي.. جمال الدين موسى يوسف وقاسم الشيخ الزين .. وربما آخرين .

زرنا خلاوي كدباس والغبش .. والنوراب والكتياب واليعقوباب وديم المشائخة والصابوناب والرواجاب والشريف محمد الأمين والشيخ طلحة .. والشيخ إكليل عبد القرآن ..ولي معه قصة رويتها لإبنه (نشرتها في صفحتي بالفيس) .. والشيخ ركركة رحم الله من مضى وأكرم من بقي.. قابلنا الشيوخ وجلسنا معهم .. سألناهم وأجابونا .. وأخذنا عنهم المخطوطات والمقتنيات الدينية من أباريق وجفان وقدور راسيات.. وقد كانت تلك أول رحلة إستكشافية لعالم لقادة الدين والعلم في المجتمع .. ربما لم يسبقنا إلإ المرحوم الطيب محمد الطيب .

إلتحقت لعامين متتاليين في العام قبل النهائي ثم النهائي بالجامعة بكنترول الشهادة السودانية ، كانت مهمتي نسخ آلاف الأسماء من طلاب الشهادة السودانية .
إذ كانوا يبحثون عن خطاط .. فإنضممت إلى الأستاذ بكري الخزين (الخطاط) في فصل به المصححين .. ومنهم الأستاذ أحمد المغربي رحمه الله.. والذي كان صاحب تجارب وحكمة وفاكهة لأيام طويلة .. ولساعات طويلة من الصباح إلى المساء.. أستاذة شعراء منهم الاستاذ مهدي محمد سعيد .

(5) مؤسسة النيل الأبيض الزراعية:

إلتحقت بمؤسسة النيل الأبيض الزراعية .. في الخامس من ديسمبر عام 1985م بعد أن أحضرت أوراق الزراعيين المختارين للعمل بنفسي من لجنة الإختيار .. بعد التقديم والإختيار... وسلمتها للأستاذة فايزة الصادق .. بقسم شئون العاملين. بعدها قابلنا المدير الزراعي المهندس حسن خير الله.. الذي قام بتوزيعنا.. وصرفنا بدل تسكين installation allowance    وفي توزيعنا قصة حيث طلبنا تبديل المواقع إن كان ذلك ممكنا .

تم توزيعي مديرا لمزرعة العباسية المختلطة (300 فدان) .. في الضفة الغربية للنيل الأبيض جنوب كبري كوستي الجديد.. مزرعة فيها أبقار ودواجن ،  نزرع ونحضر أعلاف (مركزة للدواجن)  كما نزرع خضر وفاكهة وندير منحلا ومشتلا.. وطلمبة مياه 12 بوصة وأخرى 8 بوصة.. وترعة رئيسية تمتد إلى ألف وخمسمائة متر.. ومخزنا للوقود وطاحونة للأعلاف ومكتبا ومنزلين للمفتش والمحاسب..تعلمت القيادة في أحد التراكتورات بالمزرعة أستخدمته للتفتيش اليومي.. ثم في العربة الهيلوكس التي خصصت لي .. وكنت أوزع الإنتاج اللبن والخضار والفاكهة على  المستخدمين..  صوت طلمبة الماء يوميا يذكرني بإيقاع أغنية نحن العالم .. we are the world وتلك قصة أخرى أرجو أن  أفصلها يوماً .

كان مقر إقامتي بكوستي .. حي النصر.. حيث سكنت في ميز مع بعض الزملاء منهم الأخ العفيف.. محمد الخضر محمد نور.. ومن حي النصر تزوجت من السيدة آمنة بت شيخ الهادي محمد إبراهيم.. الجعلية الترجمية.. من جهة العبدلابية من جهة أخرى.. قلت له يا شيخنا أنا ما داير فنانين.. قالي يا ولدي أنا مداحين ما دايرهم.. حفظه ومنحة الصحة والعافية ،  كان العقد بواسطة الشيخ عمر الحسن رحمه الله.. وقد حضر عقد القران المرحوم الشيخ مبارك قسم الله.. ورفيقه دكتور عبدالرحمن ابو دوم الذين كان في زيارة إلى كوستي .
إلتحقت بمشروع التنمية الريفية بجبال الموية.. بعد تقديم ومعاينة.. وكان المهندس احمد مالك أبوسن له القدح المعلى في ذلك .

وفي مطلع يناير 1987 نزلت إلى  منزلي بكادقلي  مكتمل الأثاث .
وصلت إلى منزلي بعد أن إتخذت القطار.. وأذكر شيخنا القاضي محمد سعيد الجاك.. القاضي بكوستي.. حيث نقلني بعربته وزوجتي إلى محطة القطار.. بكوستي .. ثم إستقبلني وزوجتي بمنزله بالأبيض في رحلة عودة لاحقة.. بعد أن نقل إليها . دخلت منزلي  مطلع يناير عام 1987م .

(6) مكتول هواك يا كردفان:

وقد إنتقلت بعد كوستي .. في بحثي القلق عن خيار أفضل إلى مشروع التنمية الريفية بجبال النوبة. أحد مشروعات المعونة الأوروبية الثلاث (جبال النوبة ،  جبل مرة  و جبال الأماتونج في الجنوب ) .  و قد وصلت إلى كادقلي في طائرة نايل سفاري السسنا ذات السبعة مقاعد.. في يوم 26 سبتمبر من عام 1986م... إنضممت للعمل وقد كانت المؤسسات التنموية تعج بالزراعيين .. فقد كانت تضم جانب أكثر من ثمانين مهندسا زراعياً وباحثا .. نلت عضوية نقابتهم سكرتيرا ثقافياً  .
عملت بقسم البساتين بمشروع التنمية الريفية بجبال النوبة  رئيسا للقسم ، أنتج الشتول.. وأوزع البذور .. كما أنتج نشرة شهرية وموسمية حسب المتطلبات الفلاحية ، نوزعها على مراكز المشروع يتداولونها في إجتماعهم الشهري وأقيم حقولاً إرشادية في كافة منطقة المشروع.. وأشترك في إعداد نشرة إرشادية إذاعية باللغات المحلية.. نسجلها في شريط في كادقلي ونبعثها لتذاع في الأبيض شاركت  في الحملة السنوية للتدريب والإرشاد والتي تمتد سنويا إلى ثلاثة أشهر.. من مطلع أبريل وحتى نهاية يونيو.. وكل ذلك مكملاً ومتمماً لرسالة المشروع بأقسامه .. القسم الزراعي إلى جانب أقسام تنمية المجتمع . التقييم والمتابعة.. الغابات والقسم المالي والإداري.. وقد جاوز عدد العاملين بالمشروع المئتين  بقليل ، زاملت منهم أخي وجاري الدكتور محمد إبراهيم سليمان.. كمال شقاق .. والمرحوم كمال رملي ومحمد حيني حران  وآخرين لهم مني الود والتقدير معظمهم من الزراعيين والفنيين وعمال الإرشاد المدربين.. نتخذ من العربة اللاندروفر مطية ودابة سريعة في تلكم الانحاء.

في الخامس عشر  من يونيو 1989 أرسل الأخ أحمد أبوسن منسق المشروع بالخرطوم برقية عاجلة للقدوم إلى الخرطوم لتكملة إجراءات السفر للمملكة المتحدة في بعثة تدريبية .. ومعي كل من الإخوة حسن علي نمر  والدكتور أمية قسم الله محمد (جامعة السودان شمبات) ، لأصل إلى الخرطوم في يوم 20 ينويو 1989 ، .. و أستكمل إجراءات سفري .

(7) طالب دراسات عليا بالمملكة المتحدة
لأنتقل في يوم 28 يوليو 1989 إلى مدينة بدفورد ، بالمملكة المتحدة كلية سلسو.. للهندسة الزراعية.. ضمن منظومة معهد كرانفيلد للتكنولوجيا .
وقد إخترت  الماجستير في إدارة التنمية الزراعية.. وبحثت في شأن تمويل التنمية الريفية.. فقد كان بحثي بعد إكمال كورسات الإدارة ونظريات الإدارة ونظم الإنتاج ، و الإنتاج في المناطق المدارية والتجارة العالمية ودراسات الجدوى وتصميم المشروعات.. فقد قمت بدراسات تفصيلية لكتب فخيمة في الإدارة ونظم الإدارة ولا زلت أحتفظ بها .

بعدها قمت بدراسة أنظمة التسليف وتجاربها المختلفة لدى المنظمات ، بنوك الفقراء ، البنوك التجارية المعتادة.. وقد قادني ذلك لاحقا للسفر والمكوث للتعرف علي تجربة بنك قرامين  (ها هو بنك الغارمين يا ترى) بدولة بنغلاديش .

(8) وإلى السودان العود أحمد:
عدت و إلتحقت بمشروع تنمية أرياف الأبيض المموول بواسطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي..ثم عملت منسقا لمشروع الترقية الحضرية بالخرطوم بالخرطوم  وقد عملت مديرا لمطبعة النيلين نحو ثلاث سنوات.. ثم التحقت بعدها بالحكومة المركزية  وتدرجت فيها إلى ما شاء الله.. وقد عملت بمدينة الجنينة (دار اندوكة)..وطفت السودان شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.. إلتقيت أكثر ما إلتقيت بقادة الإدارة الأهلية  من المرحوم محمد الأمين حمد في بورتسودان شرقا إلى السلطان عبدالرحمن بحر الدين غرباً .

(9) دبلوماسيا بشرق أفريقيا

و أنتدبت للعمل بسفارة السودان بنيروبي لمدة ثلاث سنوات ،  مشرفا علي منطقة شرق أفريقيا.. ضمت كل من تنزانيا ، جزر القمر ،  مدغشقر ، وملاوي . ثم تقاعدت بعد عودتي.. وعملت مدربا للتنمية البشرية لأهداف الألفية حيث أعددت كتابي بذات العنوان.. أنفق كثيرا من وقتي في الكتابة.. وطبيعة عملي تطلبت السفر .

(10) بمنظمة الإيقاد

ثم إلتحقت في العام 2011 بمنظمة الإيقاد ،  ومقرها بدولة جيبوتي ،  في وظيفة مدير للتعاون الإقتصادي والتنمية الإجتماعية.. وقد أتاح لي عملي بالإيقاد بتغطية دول الإيقاد السبعة ، إلى جانب المشاركة في مناشط الإتحاد الإفريقي وإدارته ووكالاته المختصة.. وقد حضرت مناشط كثيرة في جزيرة موريس ، وجزيرة سيشلز ،  ومدغشقر و جزر القمر وتنزانيا و زنزبار وزامبيا وجنوب أفريقيا ورواندا وبورندي و يوغندا و كينيا و أثيوبيا و الكمرون والنيجر و السنغال و ساحل العاج وتونس.. والمغرب و موريتانيا  و الكويت أرجو أن تتاح لي الكتابة في الجهود القارية .

أما عملي في السودان فقد أتاح لي الزيارة و الإقامة في مدن وبلدات سودانية عزيزة ،  ربما على سبيل الذكر أني عشت في كركوج ، سنجة ،  وسنار ، ومدني (حنتوب) ثم الخرطوم بحري وأم درمان والخرطوم ، كوستي ، الأبيض ، كادقلي و الجنينة . وقد زرت بلدات كثيرة شملت كلبس ، سودري ، تلودي ، رفاعة القضارف ، كسلا ، بورتسودان ، طوكر ، سنكات ، عطبرة ، بربر ، دنقلا ، كريمة ، مروي.. وكل مدن الجزيرة على الطريق الرئيسي  و قرى كثيرة في كردفان ودارفور بحكم عملي في التنمية .
ومن قبل ذلك و بعد لأغراض تنموية وتدريبة .  المشاركات التنموية زرت مصر وسويسرا واليابان والصين وسوريا و أبوظبي والسعودية وتشاد ،  فلله الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات..

(11) كتابات

أنجزت بعض الكتب : بدأت بكتاب مقدمة في التنمية البشرية وأهداف الألفية ،  والذي يشرح الأهداف العالمية للتنمية البشرية ،  ثم كتابي حكايات البادية.. توثيقا لحياة البادية المندثرة.. وكتاب بعنوان الطريق إلى سنار ، أروقة في الثقافة السودانية.. يضم عشرات المقالات تجاوز الخمسين في الحياة والعلم والأدب والثقافة السودانية ..  ثم قمت بتلخيص وتحديث وتحقيق كتاب تاريخ حياتي للشيخ الهمام بابكر بدري بعنوان  (في شأن الله) .. وهي كتب جاهزة للطبع والنشر بعد أن إستوفت مطلوبات المصنفات الأدبية.. كما راجعت نصوص بعض الكتب مدققا ،  لكل من الأستاذ ناجي شريف.. الدكتور عمر فضل الله.. الدكتور  اليو قرنق .

(13) ضرورة الفنون
لدي كتاب رابع قارب الإكتمال بعنوان ... الفن صناعة الدهشة.. أردت أن أبحث فيه مسألة الفنون ، التي تخرج كثيرا عن مناهجنا في التعليم وفي الحياة .. بل كثيرا ما ننظر إليها شذرا . وقد وجدت بمقاييس كثيرة ومباشرة أن الفنون ضرورة من ضرورات الحياة وأولوية من أولوياتها هل نجدها في سلم أولوياتنا ، أم نرتادها من غير هدى؟ بأمثلة بسيطة يمكن القول نعم .. هي ضرورة  فلنمثل بالطعام كإحتياج يومي .. نريده مذاقه ، ونكهته ولونه وقوامه.. فالطعام اللذين لا يتم بخلط المكونات.. لكنه يتم عبر عملية فنية مثل صناعة اللوحة.. كذلك ترتيب البيت لا يتم عشوائيا ، إنما هو عمل وتجربة فنية متراكمة ،  وحتى مظهرنا العام كأفراد يتم عن ذوق فني .

الفنون مثلها مثل العلوم والآداب ،  فالحياة بدون ألوان حياة سالبة عفريتة (negative) . والحياة بدون أصوات و أنغام حياة خرساء ( deaf )  . والحياة بدون مذاق حياة لا طعم لها (tasteless) .. والحياة بدون ملمس وقوام حياة هائمة   (seamless) و الحياة دون عطر حياة أقلها كاتمة إن لم تكن أدنى من ذلك (unscented) .. والحياة بدون تنظيم وتنسيق حياة عابثة مبعثرة (disorganized) .. وبدون إبداع وتجديد حياة رتيبة مملة   (tedious) وإنما تعمل الفنون على الأخذ من كل منحى وتعيد تنظيمه وتنسيقه ونشره على وجه يجلب الجمال والمسرة . وصناعة الجمال هي صناعة الحياة الراقية.. والفن رافعة زكية لشئون الحياة للأمم والشعوب.. وحامل وناقل مجيد للثقافة والقيم.. والفنانون المجيدون هم من يصمم أحسن الأبنية و أفخر الثياب والأمتعة والحلي والأطعمة والحدائق .. والفنانون من يجيدون نظم الكلام وحليته.. والطهاة الماهرون يصنعون طعم الحياة.. والحداة والمنشدون وقراء نصوص الدين المبدعون يجلبون المحبة والوئام إلى التعاليم.. وليس بالضرورة أن يكون الفنان متفلتا من قيم الدين .

(14) الأمل والرجاء والفرحة يا نور الدجى: 

أرجو أن أوفق لعبادة نوعية.. عبادة ترقى إلى مدارج الإحسان.. من نوع  (و بالأسحار هم يستغفرون .. وفي أموالهم حق للسائل والمحروم.. وفي الأرض آيات للموقنين..وفي السماء رزقكم وما توعدون. فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون )..

sadigabdala@gmail.com







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهودج ( الشبرية )

إعداد : أ. ماريا عبدالله   أ.علوية كرم الله  الهودج أو الشبرية :                                        هو / هي عبارة عن منزل مترحل أوغرفة صغيرة علي ظهر الجمل"الإبل"  أو الثور أو الفيل عند الهنود . يصنع من الأقمشة القوية"السميكة" الملونة بالألوان الزاهية .ويشد علي أعواد قوية ويربط علي سرج الإبل أو الثور .  ويستخدم عند العرب الرحل مثل البقارة أو الأبالة في كردفان  (غرب السودان) ، يستخدم لحمل النساء والأطفال وكبار السن داخله لحمايتهم من تقلبات الطقس المختلفة ويوفر لهم الراحة من طول الطريق والتنقل من منطقة إلى  منطقة أخرى ، كما يستخدم في ترحيل  العروس ، و عادة ما يكون مغلق بالكامل .  وفي الماضي إستخدم في  الحرب كما حملت فيه السيدة عائشة رضي الله عنها ذكر في قصة الإفك .    يصنع الهودج  من حطب شجر الشحيط ،  يتم ربطه بجلد الإبل ، المفارع والجربان والظبا وايد القايقة والوسادة .  وتختلف تسميته عند العرب البدو يسمي المركب ا...

🎸وتريات 🎸 آلة الطمبور🎸

🔹️ إعداد  : أ. نجاة سعيد  آلة موسيقية شعبية وحدت الوجدان السوداني بأنغامها الدافئة . من بين جميع الآلات الموسيقية التي يعرفها السودانيون يبرز الطمبور كآلة وترية تمكنت ، على بساطتها، من أن تعبر عن وجدان السودانيين وتدلل على ذوق موسيقي رفيع ؛ تعكسه لقاءات الأهل والأصدقاء للإستماع لعزف الطمبور بالسلم الخماسي الذي إشتهر به موسيقيو السودان. ويعتبر الطمبور من أشهر الآلات الموسيقية الشعبية المنتشرة في السودان ، ويعتمد في صناعته على مواد من البيئة المحلية ، وإحتلت موسيقاه حيزا كبيرا من الساحة الفنية خاصة في الآونة الأخيرة . ورغم الإنطباع السائد أن مناطق شمال السودان هي مناطق إنتشار الطمبور ، إلا أننا في الواقع نجده حاضرا في كافة أنحاء البلاد بما فيها الجنوب الذي أصبح دولة قائمة بذاتها بعد إنفصاله عن شمال السودان ، الشيء الذي أعطى هذه الآلة تميزا واضحا دون الآلات الأخريات ، مما يجعلنا نراها ، أيقونة لتوحيد وجدان السودانيين بتنوعهم العرقي والثقافي والجغرافي . ​ويقول الباحث السوداني في فن الطمبور، عبد الرحمن الحسينابي ، لوكالة "سبوتنيك"، "وفقا للمعاجم العربية ترجع بدايات ...

بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت .. الشاعر و الدبلوماسي/ محمد المكي إبراهيم

إعداد أ.عواطف إسماعيل  مؤسس مجموعة الغابة و الصحراء الشاعر و الدبلوماسي محمد المكي إبراهيم بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت ... يعتبر الشاعر والدبلوماسي  / محمد المكي إبراهيم من أبرز مؤسسي مجموعة الغابة والصحراء ، التي ترمز إلى الإنتماء العروبي والأفريقي ، ويعتبر المكي أن مدرسة الغابة والصحراء تعتبر حلا لجدل الإنتساب الذي شغل السودانيين كثيرا خصوصا وأن البعض يرى أن السودان بلدا عربيا في ما يرى البعض الآخر انه بلد أفريقي . ولد الشاعر الدبلوماسي الذي غادر هذا المجال بعد صعود ثورة الإنقاذ إلى سدة الحكم ، في مدينة الأبيض بغرب السودان عام ١٩٣٩م . وتخرج في كلية القانون بجامعة الخرطوم ، ليلتحق بعد ذلك بوزارة الخارجية التي عمل بها لثلاثين عاما ، ثم تركها ليهاجر ويستقر به الحال في الولايات المتحدة الأمريكية . نال محمد المكي إبراهيم العديد من الجوائز ، أهمها وسام الآداب والفنون عام ١٩٧٧م ، كما ترجمت دواوينه إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية . وقد صدرت له أربعة دواوين شعرية هي : * (أمتي)  ١٩٦٨م * ( بعض الرحيق انا والبرتقالة أنت) عام  ١٩٧٢م   * ( يخت...