بقلم 🖋 الصادق عبدالله
أقول للشباب والشابات التروي مطلوب.. وهذا ليس نموذجا.. التجربة تقول ان مثل هذا الزواج بدأ يحمل عناصر فشله معه من البداية.. حتى اذا استمرت الاسرة الجديدة.. بدأ الشرخ سلفا..
يقول قائل في مثل هذا الموضوع.. حقي الشرعي.. وليعلم أن الزواج حق مجتمعي يبدأ بالإيجاب (الطلب) والقبول.. والقبول يتوج بالفرح وليس التوتر والشرخ المسبق.
رغم اني اشفقت على بنتنا. ليتنا بادلناها التهاني.. لكن لقينا انفسنا انفاسنا قايمة.
وكما نلقي عليها لوما.. لابد ان بعض اللوم في الاطراف الاخرى.. ومنهم زوجها الذي بنى اسرته على شرخ في اسرة زوجته.. وبعض اللوم سيصيب اولياءها المباشرين الذين فات عليهم ان يتمتعوا بمرونه.. ويقدموا يدها للنسيب الجديد..
على العموم القضية محتاجة لحكمة.. وفهم وحلم يسع الموضوع..
هذا ما كتبته من قبل عن مسألة الولي:
قضية الزواج قضية كبيرة. وهامة وخطيرة. فهي أكبر من أن تحرر في مقال في حدود الألف وخمسمائة كلمة كمثل هذا المقال.
ليت الفقهاء والقضاة وأصحاب الفكر والمذاهب، كياناتهم وهيئاتهم العلمية حرروها كاملة وأعادوا تحريرها وتنقيحها في كل مرة.
ليتهم لا يكتفون باطلاق الفتاوي (مثل الأعيرة النارية). المصحوبة بالفرقعة والعنف اللفظي. ليتهم حرروها بكثير من العقل والمعرفة وقليل من الإنفعال.
ليتهم وضعوا دليل في شؤون الزواج والحياة والموت.
هذا ومنذ أن ثارت قضية ما يعرف بزواج التراضي، بدأت ابحث في مكتبتي وكنانة كتبي. فأنزلت كل مظان ما يعزز المعرفة عن قضية الزواج والولي..
وطفقت ابحث في الشبكة (وما أكثر المعرفة المتفجرة في سحب المعرفة). أنزلت المراجع التى تستطيع أن تجاوبني بدون توتر وبدون مهاترة..
بدأت بكتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد، للعلامة ابن رشد.. والكتاب عمره يتجاوز الثمانمائة سنة (ليصيب فقهاء القرن الواحد وعشرين الحياء).
كتاب ابن رشد عبارة عن موسوعة فقهية تتجاوز الثمانمائة صفحة من القطع المتوسط. وقد افرد ابن رشد تفصيلا لمسالة الولي امتدت لنحو أربعة صفحات.
لعمري نحتاج نحن في القرن الواحد وعشرين أن نضع مجلدا ودليلاً لمسألة الولي في الزواج والولي في شؤون الموت والحياة ..
دليلاً نصيغ فيه مسألة الولي بما اتيح لنا من معارف ميسورة وتجارب غير مسبوقة. تجارب لم تكن موجودة ولم تكن متاحة لمن قبلنا، ولما استجد في مسأئل الزواج والحياة من مستجدات.
كما أخرجت رسالة بعنوان (ما لم يقله الفقيه) للدكتورة أماني ابوالفضل حيث تقول أن فقهاءنا التزموا الصمت وأجتزأوا قضايا فقهية هامة. لا بد أن يبحثوا ويبينوا فيها.
ومنها قضية الزواج التي بدت لنا بغير دليل كاف. وقد عالج الغرب مسألة الزواج وتعايش معها وفق معتقداته ونظمه.
لكن للاسف سكت عندنا الفقه وقت الحاجة للحديث، ودفنت الرؤوس في الرمال.
أما في فقه السنة للشيخ سيد سابق، فقد أفرد سيد سابق للزواج ما يقارب المائة وخمسين صفحة..
وراجعت ما ورد في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي عبر الأثير..
بل وأخرجت قاموس المعجم الوسيط والمعجم المفهرس لالفاظ القرآن من مكانيهما. وتتبعت مفردة ولي أنساقها ومعانيها..
وكذلك أفردت كتاب قوانين الأحوال الشخصية (في السودان) للاستاذ دوليفرون ترجمة الاستاذين هنري رياض وكرم شفيق. إذ كان المؤلف مدرساً بجامعة الخرطوم.
يقول إن الكتاب دراسات في قوانين الأحوال الشخصية في السودان تشتمل على دراسة أحكام الزواج والطلاق للمسلمين وغير المسلمين وللوثنيين الجنوبيين.
كتاب يتجاوز الأربعمائة صفحة موضوعه الزواج والطلاق والاعراف والمحاكم. يشتمل الكتاب على كافة انواع الزواج وأنماطه لدى شتى المجموعات البشرية في السودان.
الكتاب يستعرض كثير من نماذج الأحوال والمنازعات في الزواج في كافة أنحاء السودان.
كتاب لا يستغني عنه اي قاضي أو إمام مسجد أو مأذون أو باحث أو داعية إجتماعي. أو مشفق مثلنا.
ويقطع في مسألة الولي في الزواج بوضوح شديد (لا زواج بدون ولي).
هذا ليتأكد لي أن مسألة التراضي ركن رئيس ولا بديل للتراضي إلا التراضي. وأن الزواج اختيار وليس اجبار.
أما في مسألة الولي فكذلك لا بديل للولي إلا الولي. فالولاية دور (وليست مجرد شكليات) يقف في قمتها الأب والأخوة والعصبة الاقربين. والخوؤلة.
الولي ليس فقط دور يقوم به من يمنع الزواج أو يأذن بالزواج هكذا من عند نفسه.
واقولها بثقة عالية ان الولي سند ودعم وقاعدة صلبة للبنت والولد على حد سواء.
فالرجل الذي يتزوج من دون أولياء هو من فاقدي السند. والفتاة التي تتزوج من دون ولي فهي لا شك فاقدة السند.
والقول في أن من لا ولي له فوليه السلطان. نعم ولاية السلطان موجودة وحادثة في كل زواج في حياتنا الحديثة يمثلها الماذون. وتمثلها شهادة القسيمة التي يصدرها الماذون له بعقد القران. وتقوم المحكمة من بعد بتوثيقها.
فهذه لعمري ولاية متعددة الطبقات. تتكون من الولي المباشر (الوالد والعم والخال) ومجتمع الاسرة الممتدة.
بالمناسبة الأم ولي، لأن كبار الأمهات هن صاحبات راي وتوجيه. وهن من يضع كثير من الامور في نصابها..
وللأسف قد تجد بعضهن يخرجنها عن نصابها.. وفي ذلك قصص. وارجو الا تكون الام ولي معضل.
وفي ولاية السلطان المأذون هو الممثل المباشر للسلطان بموجب الرهصة التي يمنحها له لأقامة عقود الزواج. ثم توثيق ما أذن به مرة أخرى لدى المحكمة.
والمجتمع بعد ذلك شهود. الأن نحن كمجتمع أثارتنا القضية. وتستكمل كل ذلك إنعقاد الأمر في مسجد جامع، او في بيت العائلة مع الزغاربد ومظاهر الاحتفال.. بشهود المجتمع أن فلانا وفلانة قد تزوجا على كتاب الله وسنة رسوله.
ولا بد ان يرى ان الزواج لدى المحكمة هو حالة إستئناف لها إجراءاتها ونظمها تستكمل نظام الزواج بالولي.
وإن كان الولي سفيهاً أو ضعيفاً يحل محله الأقرب.. ويستكمل بنظام الاستئناف المذكور. فالاستئناف ليس اسقاطاً لنظام الولي. بل إحكاماً له.
أما إنعقاد الزواج في اقرب ركن نقاش او حافة طريق هكذا دون ولي أمر، ودون نظام فهو زواج اللامنتمي.. زواج المنبت، لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
نعم ليس الولي الذي اقتصر دوره في ذلك الشخص الذي يأذن بالزواج أو يمنعه أو حتى الذي يؤتى به باعتبار أنه اقرب الاقربين ويباشر العقد شكلاً قطعاً ليس هذا هو الولي.
ونعلم أحيانا أننا نمارس هذه الشكليات التي قتلت الروح وابقت على الاشكال. فذلك لعمري هو الولي الذي يهرب منه إلى صيغة التراضي.
ولعمري أن زواج التراضي الحق بعد فقدان الولي المباشر هو إجراء ينحو للزواج الرسمي المشهود لدى قنوات القضاء المكلف بذلك.
وأن ذلك يعتمد الإجراءات الرسمية. وهو يحتاج لحنكة وحكمة القاضي المباشر لإجراءات الزواج. ومن ممارسات القضاء النبيلة ارجاع كثير من قضايا لتخل في اطار الاسرة.
الولي عنوان كبير للمجتمع. وركن رئيس الولي في الزواج وبدون أدنى شك هو عتبة فاصلة بين الجد وكثيرا من الهزل واللامبالاة. والزواج هزله جد وجده جد.
الزواج بدون ولي واسمعوها مني .. للأسف من غير الشباب، تمارسه فئات من الناس لديها من الثراء ومن المعرفة ما لديها.. يمارسونه بدون ولي بعيدا بقوة واقتدار. وهناك قصص وكوميديا في ذلك وقصص في اكتشاف أخوة غير الأشقاء في سرادق العزاء أو بمجرد المصادفة.
الولي عتبة هامة في صناعة النسيج الاجتماعي. وبدون أولياء لا ندري كيف يكون نسيج المجتمع. فالولي والأولياء للطرفين (الفتى والفتاة) هم السند وهم الضمان.
والأولياء هم الدعم المعنوي والعمق الاستراتيجي للاسرة الجديدة. والفتاة بدون ولي فتاة فاقدة السند، والفتى بدون ولي هو فتى فاقد السند.
والولي الذي يتخاذل مع سبق الإصرار والترصد ويترك ابنته أو ابنه دون سند هو المسئول الأكبر في قضية الزواج بدون ولي. وهو بذلك يدفعهم لبناء بيت واهن وهن بيت العنكبوت.
ملخص الأمر ان للولي دور مستدام للزواج في شئون الحياة والموت.
ولقد شهدت يوماً زواجاً جاء فيه الزوج (العريس) منفرداً. استقبله الحضور وعرّف نفسه بمهنته التي يفتخر بها وقد سبقت اسمه. نعم جاء بالباب.
منذ اللحظة قلت أن هذا رجل غير مسؤول. أليس له ولي أو نصير أو صديق حميم.. ولقد صدق الحدس وانهار البيت في وقت وجيز. لأنه أراده بعيداً عن أوليائه.
ولمن تتبع ألفاظ القرآن وراجعها مع قاموس المعاني في اللغة: الولي والمولى العربية، فالولي (والمولى) هو: الظهير والنصير والدليل والموجه والواقي (الحامي) والعشير والباذل للمودة.. والسند والعضد والمرجع.. والضامن..
ولعمري أن الزواج ميثاق. وما من ميثاق إلإ ويحتاج لنوع من الضمان والسند. وشهادة منشأ وخلو من عيوب وشروط غير ذلك. يعرف ذلك رجال الأعمال أكثر من غيرهم ويحتاج في عهدنا هذا حتى لفحص نوع الدماء وأخرى.
ففي القرآن الكريم نجد: الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور (هداية) ..
ولا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين (صحبة ووكلاء).. وكفى بالله ولياّ وكفى بالله نصيراً (ظهير وسند)..
ومن يتولى الله والرسول والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون (عصبة وقوة)..
ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق (حماية) ..
وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله (نصرة ومنعة).
ونحن نعلم أن في هذا المجتمع الكبير الذي قوامه من الشباب، في غياب الولي ما أيسر من أن يؤتي بقسائم وأوراق مختومة تثبت الزواج أو حتى الطلاق.
ولعمري ستكون وثائق سابق ولاحق.. ستكون قسائم تحصيل حاصل. ستكون قسائم سد طلب وتغطية لحدث استباقاً لمولود في الطريق او لأكل اموال بالباطل.
هنا صورة متخيلة تقارب الحقيقة أن تخرج البنت.. فتأتي إلى اهلها معلنة أنها اختارت أن تتزوج. وهذا الضيف الذي دلف معها لبيت (أمها وأبيها) هو زوجها. لكن كثيرا اكثر من ءلك تذهب بدون رجعة..
او يخرج الولد في الصباح ثم يأتي ليعلن أن هذه التي إلى جنبه هي زوجته. (ولعلهم يرجعون.)
الذي يفعل مثل هذا سيفكر في مجتمع بديل. وفي هروب كبير. ربما يذهب وتبتلعه العولمة بعيدا..
بل وتصبح الصورة أكثر قتامة بعد الإنجاب. عندما يكتشف كل واحد في الآخر أنه شخص مختلف أو تغير.
سينهار البيت في أول مشادة داخل الاسرة فاقدة السند. وقد ابانها الكثيرون من المراقبين ان مثل هذا الزواج لا محالة منهار.
ولا تجد ولياً وسيطاً يهديء الخواطر ويعيد الامور إلى مجاريها.
هنا يكون النسيج الاجتماعي قد تهتك وانهار.. الزواج بدون ولي فتح باب كبير وخلط أوراق ودماء وتفكيك نسيج للمجتمع.
أما إن تعاملنا بطريقة مسطحة مع مسألة الولي في الزواج (وفي غير الزواج).
فبعض، ممن يعارضها يراها مكبلة للزواج السهل الميسر. وأنها نوع من الشكليات المقيتة. وربما بدعوى تيسير الزواج.
أو سمها بدعوى حرية من يريد الزواج (رجلاً كان أم إمرأة) أن يتخذ زوجاً بغير ولي.
وفوق ذلك ما أيسر أن تنهار مثل البيوت ويذهب كل واحد بلا سند. فالضحية الأولى هم الاطفال (فاقدو السند) والضحية الثانية هي الفتاة (فاقدة الولي والسند).
والضحية الثالثة هو الفتى الزوج (فاقد السند). والضحية الرابعة هو هذا المجتمع ذو الاسر المفككة المبعثر افرادها ..
فوجود ولي بل وجود أولياء (وللطرفين) هم شبكة الأمان الإجتماعي للأسر الجديدة.
وحفل الزواج الذي ندعو فيه القاصي والداني لعمري هو حفل للأولياء من المجتمع العريض للدعم والسند .
لكنه للأسف تغير وأخذ أشكالا من البهرجة .. ليته عاد وعدنا وقدمنا الدعم العيني والنفسي بدلاً من تناول الطعام والرقص.. وترك الاسرة الجديدة في أشد الحاجة للمال الذي يحفظ الحياة الكريمة
ليتنا رفعنا الأصوات ضد تقاليد الزواج المكلفة وقيوده الاجتماعية التي أضاعت القيم الحقيقية للزواج والتي تعضل من يريد الزواج عن مبتغاه، فيعمد للزواج بغير ولي.
وفي المجتمع السوداني أنماط من القيود، غير الولي وأنماط من السلوكيات والمظاهر تحتاج أن تعالج. وقضية الولي تحتاج أن تحرر بشكل دقيق وجلي. وتصنف وتوضع أنساقها من داخل الأسرة إلى المجتمع الأكبر.
تحتاج المسألة إلى كتالوج مفصل.. متطور.. بلغة تخاطب الحال مباشرة
أما الفقهاء الذين يطلقون فتاوى مجتزأة هم مسؤولون مباشرة عن تحرير فقه جديد للقرية الكونية في وقت انفجار المعارف.
رحم الله ابن رشد وابن قدامة وابن تيمية الذي حرروا القضايا في وقت تعز فيه المعرفة.
وليت القضاة قاموا هم بتحرير القضايا. وما فعله دوليفرون استاذ جامعة الخرطوم في مطلع الستينات يضع كل القضاة واساتذة القانون في نفق ضيق (سمه فتيل).
ليس ذلك فحسب فللأحزاب والطوائف واهل الطريق ومجمعات الفقه وهيئاتهم العلمية أن يحرروا الفقه من جديد.
أختم بقصة عمي محمد هليكي شقيق أبي رحمه ورحمهم ورحمنا الله.
رجل لم ينته لديه دور الولي وإن طال السفر وبعدت الشقة. بل ولم تكن العلاقة مباشرة لابنته من صلبه.
ولاية ممتدة وشبكة أمان لبنت العم. ذهب محمد هلكي معزيا لبنت عمه في زوجها، قاطعا مئات الكيلومترات ليترك لها جمله بكامل ملحقاته. جمله الذي جاء راكباً عليه لاكثر من مئتين كيلو متر..
قائلاً لها هذا الجمل يخدمك ويخدم ابناءك.. هكذا ينظر للولي ولدوره المستدام. ويا أولياء أحسنوا إلى بناتكم وابنائكم ليجدوا فيكم السند والدعم والإحساس بالفخر، عندها لن يبحثوا عن ولي غيركم.
sadigabdala@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق