التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الشلوخ ... فن تجميلي موروث آيل للإندثار

إعداد: وصال صالح 

عرف السودان الشلوخ منذ القدم، خصوصاً في أقصى الشمال، ويرى مؤرخون أنها بدأت منذ عام 750 قبل الميلاد، وهي علامات على شكل خطوط على الوجه، بعضها على هيئة خطوط أفقية مستقيمة، وأخرى مائلة، وبعضها هلالية الشكل عند الرجال والنساء.

ويرجح أن الشلوخ كان علماً طبياً علاجياً، يستعمل لغايات تخفيف الألم في المنطقة المضطربة من الجسم، حيث كانوا يعتقدون أن هذه الندوب والعلامات، التي تحدثها عملية الشلخ ، تحمي من أمراض العيون والصداع وأمراض الرأس ، كما تسهم في استخراج الأورام، حيث إن الندب يخرج كل السموم الداخلية الموجودة في جسم الإنسان ، لكن مع مرور الزمن تحولت الشلوخ إلى رمز قبلي وجمالي، وأصبح السودانيون يستعملونها للتمييز بين قبيلة وأخرى، وأيضاً بقصد الزينة ، وتختلف الشلوخ من قبيلة إلى أخرى، وهي سمة مهمة تميز العرق العربي عن سواه من الأعراق السودانية المتنوعة، كالزنوج والنوبيين، وتنفرد قبيلة الشايقية بشلخ أو خدش خاص بها، وهو عبارة عن ثلاثة خطوط أفقية متوازية، يمتد أوسطها من عند الفم حتّى أقصى الخد. فيما تأخذ قبيلة المنداري، الموجودة في منطقة تيركاكا، شكل ثلاث سبعات (777) على الجبهة، وهذا النوع يستخدم في حالة المرض، أو إذا كان جسم الشخص نحيلاً، ولا يتحمل المزيد من الشلوخ.

واتخذت الشلوخ لدى قبيلة النوير، المستقرة في ولايات أعالي النيل، شكل العادات والتقاليد، يتوج بها المراهقون في مرحلة الشباب، ويتم الشلخ على شكل خطوط على الجبهة، تصل إلى 6 أو 7 خطوط.

ويتم الشلخ في مجموعات، وعندها يتم عزل المشلخين عن بقية الشباب ، ولا يجوز لهم الاقتراب من المراعي، إلى أن تقيم القبيلة لهم احتفالاً
، لإعلان انضمامهم إلى أفرادها.هذا الاحتفال يقام بعد شهر من التشليخ ، وفيه تعد أسر المتوجين الذبائح ، ولا يسمح لهم بالاقتراب من مجتمعهم إلى أن يغتسلوا في البحر ، وبعدها يمارسون حياتهم العادية ، وتهدى لهم أثناء الاحتفال الأدوات الحربية القديمة ، باعتبارهم المحاربين الجدد للقبيلة ، كما ينالون إعجاب الفتيات، ولا يُسمح للآخرين بوصفهم بالصبيان، حتى إن كانوا صغاراً في السن.

وتتم عملية الشلوخ عادة للرجال في سن مبكرة ، وتؤخر عند الإناث ، حتى يبلغن العاشرة من العمر ، حيث تقام طقوس احتفالية لهذه المناسبة ،  بعدها يعتبر الخاضعون لتلك العملية القاسية والمؤلمة - التي تستخدم فيها آلات حادة كالموس ، والسكين ، قد انتقلوا من طور الصبا إلى مرحلة الرجولة ، وتكون البنت قد أصبحت فتاة مؤهلة للزواج ، وإنجاب أبناء .

ورغم أن عملية الشلخ تخضع لمراحل قاسية ، فإن الفتيات كن يتحملنها بجلد وصبر شديدين ، ويترقبن مراسمها وطقوسها بفرحة عارمة ، حيث تقوم امرأة معينة وبمعونة نساء قويات البنية متخصصات ، بالإمساك بأذرع الفتيات ، لمنعهن من المقاومة حتى انتهاء العملية .ثم يقمن بحشو القطن المبلل بالقطران في الجرح ، ما يفاقم الألم ويزيده ، فتصاب الفتاة بحمى شديدة ، وتظل لأسابيع عدة تعاني الآلام المبرحة ، من تورم و احمرار على الخدين ، وتعتبر ذات الشلوخ العريضة قديماً الأكثر جمالاً .
ومازالت عملية التشليخ مهنة فنية دقيقة ، تقوم بها شلاخات متخصصات ،  يتوسمن في صنعتهن ما يرضي الذوق ، وما يناسب وجه المرأة ، و لوحظ أن عامة السودانيين كانوا يفضلون الشلوخ الطويلة العريضة والعميقة ، المرسومة على وجه عريض أو مستدير ومكتنز باللحم ، إذ إنها تبدو منتفخة ، ومن ثم أكثر جاذبية من المرأة النحيفة .

ومجد الشعراء هذه العادة ، وصوروا «الفتاة المشلخة» في أبهى صور الجمال ، كما أسهم فن الغناء في السودان في انتشار تلك العادة ، بالتغني والتغزل في الخدود المشلخة .

عادة الشلوخ عرفها السودان منذ القدم، خاصة في أقصى الشمال، ويرى مؤرخون أنها بدأت منذ عام سبعمائة وخمسين قبل الميلاد، وهي علامات في شكل خطوط على الوجه بعضها على هيئة خطوط أفقية مستقيمة، وأخرى مائلة، وبعضها هلالية الشكل عند الرجال والنساء.
وتضع النسوة في السودان (الشلوخ) أساساً للتمييز بين مجموعة ثقافية وأخرى، وأحياناً بقصد الزينة، وعرف جنوب السودان عادة الشلوخ، لكنها توضع عند نسائهم في الغالب على الجبهة.
أسماء شهيرة
من أشهر أنواع شلوخ الرجال، (الواسوق والشبور)، ولا تختلف شلوخ النساء عن الشلوخ التقليدية عند الرجال كثيراً، ولكن النساء يضعنها على الخدود بغرض الزينة والجمال والموضة في الماضي، ومن أشهرها (العارض) و(المطارق).
عن طريق الحجام

وعموما الشلوخ هى من العادات الجميلة التى استخدمها الاولون فى التفريق بين افراد القبائل
للرجال في سن مبكرة لا تتجاوز الخامسة على الأرجح، وتؤخر عند الإناث ربما حتى يبلغن العاشرة من العمر، وتتم عادة عن طريق الحجام أو المزين أو البصير (الطبيب البلدي)?. وأضاف: ?أصبحت الشلوخ ذات دلالات ومعانٍ دينية عند الرجال، وخرجت بذلك عن المفهوم القبلي الضيق بالانتماء للقبيلة، فانتشرت أنواع معينة منها لدى بعض المجموعات?. واستطرد: ?وتعد الشلوخ من العادات والتقاليد الموروثة التي كانت متأصلة في المجتمع السوداني في الماضي القريب?. وتابع: ?على الرغم من اندثار هذه العادة المتفردة في ظل التطور العام، إلا أنها لا تزال ماثلة خاصة في وجوه كبار السن?.
خطورة بالغة
يرى البعض أن أسباب اندثار الشلوخ في الوقت الراهن يعود للألم الشديد الذي تسببه من جراء الجروح والآثار الصحية الخطيرة المترتبة عليها .
في فن الغناء
مجد الشعراء هذه العادة وصوروا الفتاة المشلخة في أبهى صور الجمال .









     


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزياء الشعبية السودانية - الزي الرجالي

بقلم / سناءحامد إلياس  تختلف أشكال الزي الرجالي   بإختلاف الأقاليم و المناطق داخل السودان و لكن حديثنا سيكون عن الزي المتداول على أوسع نطاق .                     ( الجلابية  ) تصنع من القماش و هي فضفاضة ذات أكمام واسعة و ذلك لدخول الهواء و التبريد و جيوب على الجانبين و ذات فتحة أمامية و تغطي كامل الجسم بقامة الرجل . تتشابه في كثير من أقاليم السودان و أيضآ الغالب الأعم فيها اللون الأبيض قديما و قماشها قطني . فالسودان كما هو معروف يقع في منطقة حارة تحتاج إرتداء الأزياء القطنية التي تناسب هذه الأجواء . و هناك نوع آخر من الجلاليب  تثبت عليه الجيوب أعلى الصدر و الظهر ، و تبدو الجهتان الأمام  والخلف بنفس  الشكل ، و لهذا حكمة فعندما ينادى للنفير الذي يستوجب سرعة الإستجابة  فيرتديها الرجل بسرعة لتلبية النداء و يكون وضعها صحيحا . و هناك لباس آخر هو :                   (العلى الله) و هي عبارة عن قميص أقصر من الجلابية ،   ومعه سروال يصل إلي أخمص ...

قصة أغنية.. عشرة الأيام

 إعداد/ وصال صالح  تعتبر أغنية (عشرة الأيام) من روائع الغناء السوداني الحديث ومن أجمل الألحان التي قدمها العملاق عثمان حسين مع رفيق دربه الشاعر الفذ عوض أحمد خليفة.. خطوبة شاعر ولعشرة الأيام تحديداً قصص وحكاوي سردها فيما مضى الراحل عوض أحمد خليفة، إلا أن النواة الحسية والمعنوية لميلاد (عشرة الأيام) كانت خطوبة شاعرها من إحدى حسناوات أمدرمان التي أعجب بها إيما إعجاب، وبعد أن تقدم أهل وذوو الشاعر بالخطوبة لتلك الملهمة تم القبول والتوافق بين الأسرتين، إلا أن هنالك مستجدات طفت على السطح وهي سفر خليفة لأوروبا في بعثة عسكرية تأهيلية وقتها أحس أهل المخطوبة بأن ذلك المشروع سيأخذ وقتاً طويلاً يحسب من عمر الفتاة، وبعدها ساقت المقادير الموضوع برمته إلى هاوية الفشل والضياع حتى تقدم أحد أقرباء الفتاة وتمت الخطوبة ومن ثم الزواج وكل ذلك وعوض بأوروبا لذلك قال في بعض أبيات القصيدة (ليه فجأة دون أسباب ومن غير عتاب أو لوم – اخترت غيري صحاب وأصبحت قاسي ظلوم).. ترجمة (لايف) الأغنية كانت بمثابة شاهد إثبات على حساسية عوض الشاعرية العالية وإمكاناته الفنية المهولة فقد كتب الأغنية ولحنها وغناها وهو...

مرثية الشاعر /صلاح أحمد إبراهيم في صديقه الروائي / علي المك

معد المحتوى  / أ.عواطف إسماعيل/ لندن  الشاعر / صلاح أحمد إبراهيم  الشاعر الدبلوماسي صلاح أحمد إبراهيم ينعي صديقه   وصنو روحه البرفسور الروائي القاص والناقد علي المك  ولد علي محمد علي المك في مدينة أم درمان في ١٢ فبراير من عام ١٩٣٧م وتوفي في مدينة نيومكسيكو . تخرج في كلية الآداب جامعة الخرطوم وحصل على الدراسات العليا في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية . الروائي/ علي المك  في هذه القصيدة  نعى فيها البروفسور صلاح أحمد  إبراهيم صديقه علي المك من ديوان (نحن والردي) مدينته الآدمية مجبولة من تراب يتنطس أسرارها واثب العين منتبه  الأذنين يحدث أخبارها هل يرى عاشق مدن في الحبيب أي عيب؟ مدينته البدوية مجبولة من تراب ولا تبلغ المدن العسجدية مقدارها تتباهى على ناطحات  السحاب بحي سما أصله لركاب فاح شذى من "على" حين غاب جرت وهي حافية، في  المصاب تهيل الرماد على رأسها  باليدين تنادي على الناس:  وآحسرتا ويب لي   ويب لي  فقدنا الأديب، فقدنا النجيب، فقدنا اللبيب، فقدنا "على" فقدنا الذي كان زين  المجالس، ز...