التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الروائي إبراهيم إسحق(١٩٤٦ م_ ٢٠٢١م ) .. سيرته و مشواره الأدبي

 

✒بقلم : الصادق عبدالله 

يقول أحد تلاميذه. دخل إلينا ونحن بعد طلابا على عتبة الثانوية. في مادة الأدب الإنجليزي شاب قصير، نحيف كث اللحية ذو عينين لامعتين ونظرات ثاقبة وجه تألفه لأول وهلة انيقاً في مظهره، مهذبا يتحدث ترسلاً ليس بالمتعجل ولا بالمبطئ في الحديث. أديب متفرد، موسوعي الاطلاع. متشبع بالتراث. نقل جماليات البيئة المحلية. ابراهيم كاتب تميز بدقة البناء الروائي.
  
كان ميلاد ابراهيم في العام ١٩٤٦ م. أي بعد عقد ونصف من الزمان من ميلاد أديبنا الطيب صالح. و اسم إبراهيم لمن يسبر سر اللغات إسم كبير بحساب الجمل.

أديب سوداني، روائي وقاص وكاتب. ولد بقريته الوادعة (ودَعة). بلدة من أعماق  شرق دارفور منطقة أم كدادة. ليرتقى معارج تعليمه بتندلتي (فاشر السلطان) . يدخل إلى العاصمة أم درمان عبر معهد المعلمين العالي في العام 1969م ثم معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بالخرطوم العام 1984م.

سلك الدرب استاذا لمادة اللغة الإنجليزية تعليما وتعلما. أقام منذ مطلع العام 1982م في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية.  مكث وعمل فيها بالتدريس لعقدين من الزمان. إلى أن رجع بعدها إلى السودان، في العام2006م. للاستقرار بالبلاد. 

بدأ الاستاذ إبراهيم إسحاق حياته الأدبية بكتابة الشعر ، من ثم إنتقل إلى الرواية والقصة القصيرة، وكتب الكثير من المقالات في الصحف السيارة والمجلات العربية والأفريقية. يقولون ابراهيم ماهر بتقنيات اللغة. عناوين اقاصيصك سيدي لها تفرد مدهش. حدث في القرية، وبال في كلمندو، ناس من كافا، عرضحالات كباشية، حكايات من الحلالات، أخبار البنت مياكا (بنت من المجتمع). الطيب صالح من مرفأه البعيد يقول أنه يحس بالحسرة أنه لم يتعرف على عالم ابراهيم اسحق.. ذلكم العالم البعيد العجيب .

قال محدثي ، أحد زملائه . إبراهيم إسحق أيقونة سودانية لا تخطئها العين إذا كان أمام تلاميذه ، أو بين جلسائه ، أو حتى في الطريق من طرقات هذا البلد الخليجي.. يلتزم إبراهيم بزيه السوداني مكتملا جلبابا وعمامة . زوار بيته يعجبون من صالونه المكتبة. يدهشون لحلو طعامه في المندولة. يقول التقيته في الرياض. حيث عاش ابراهيم زمانا.. بعيدا عن الاضواء. إلا قليلا مما ينشر له. وإنه غير المعلوم عنه أنه قرا كل مكتبة خورطقت القسم الانجليزي على الاقل. صديق القراء.

الآن سيدنا بفقدك انفتحت سيدى فجوة الرواية في حوش الآداب السودانية. وكلتومة سيدي لا تزال في انتظار أم حنونة. كي تناولها دثارها. قالوا عنك أنك قامة أدبية سامقة. والذي ظهر لعيانهم مثل قمة جبل الجليد. وقد قالوا أن  ابراهيم ظل يكتب صامتا. لكنهم استدركوا أنك منذ تخرجك وحتى عمرك الماسي ظللت تكتب بلا انقطاع. علموك أم جهلوك. وافوقك ودعموك أم اعترضوا اسلوبك الفريد.. كل ذلك لم يوقف سير واديك المنحدر.

خمسة وسبعون عاما. سيدنا وتمضي. وفي رفقتكم آدم ود مسبل. ولا تزال الجمال تسير تعرج على الشجيرات باطراف الدرب. تخطف أكلات عابرة في الصباح. ولا يزال سيدي ناس الحلة على شواهيهم.. كرومة ود شاخوت يفك الحمار وينشلح عليه. لم يبعد بعد من البيوت. الاولاد وأمهم لم يقفلوا باب بيتهم بعد. اليوم فقط سيدنا صحونا على نعيك. وما اشق ذلك علينا. في عمرك الماسي. وعيد ذهبي استاذنا من عمر منمنماتك الأدبية.

رحمك الله سيدي ايقونة الأدب السوداني مظهراً ومخبراً. بعد كل هذه الثراء الأدبي الموغل في المحلية، ها هو رفاتك يابى إلا أن يحل بعيدا هناك في هيوستن خلف خليج المكسيك في جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية. لو أنصفوك لكللوا بالتاج رأسك يا عظيم.

يقولون: عرف إبراهيم استاذا لمادة الادب الإنجليزي، كما لك يعرف مؤرخاً. ورغم تحليقه عاليا فوق روائع الروايات العالمية، ظل ابراهيم منمنما لرواياته وقصصه بلغته الام، باصوات حروفه وكلماته وفلكوره الموغل في بيئته التي أنجبته. لم تغره الرومانسية التي خيمت على جيله ونصوصهم. فعندما نحا الرواة السرديون نحو رومانسية.. بل خلاعة يزفون بها النصوص ظل ابراهيم ملتزماً حتى في شخوصه. يكتب (تسمرت كلتومة في فجوة الحوش منتظرة أم حنونة لتناولها التوب كيلا تعبر حاسرة أمام الرجل الغريب). وكل إنا يابراهيم بما في ينضح. تريدها محتشمة ويريدونها في إدبهم غير ذلك. رحم الله سميك ابراهيم الآخر موسى أبة: أيضا ارادها محتشمة لما قال بعز التوب وكت يتشال ويتفرا على الكتفين يتوه مرة. بعز التوب وسيد التوب.

وقد عرف جيل الخريجين وكثير من المعلمين بالتزام الزي الافرنجي  وإطلاق الشعر والسراويل المنفرجة أحياناً والضيقة أحيانا أخرى. وربطات العنق المذكرشة. ظل أستاذ اللغة الإنجليزية في جلبابه السوداني الناصع البياض وعمامته ذات الذؤابة ولحيته ذاتها. ليصبح ابراهيم ايقونة عصره، مظهراً، نصاً وروحاً. كما تميز ابراهيم باصراره على استعمال اللهجة المحلية لانسان دارفور. اللغة الممعنة في المحلية. والتي رأها البعض حاجزا بينه وبينك سيدي.  عرفوك بدءا في مهرجان المدرسة القديمة، قالوا كانت أسهل من غيرها.

وقد ظهرت اعمال ابراهيم اسحق خروجا عن نصوص مجلوبة وراء الحدود. وربما أضيع بعضها سهوا او غيره. ظهر ابراهيم بسمته ونصه. ظهر بين الحداثيين الذين استهوتهم أداب الشرق والغرب. استغرب البعض نصوصه. ورحب به البعض. قال البعض سمعنا فتي يقال له إبراهيم. المعجبون أشادوا ببنائه الفني. أخرون أزعجتهم لغة الأرياف في دارفور.

نشر له الشوش في مجلة الدوحة أعمال الليل والبلدة. نشر له قيلي أحمد عمر في مجلة الخرطوم، محمد عبد الحي نشر له بجريدة الصحافة، ثم  أمتدت قصصه للايام ليكلل بنوط في مهرجانات الثقافة. اختار البروفسور على المك في مختارات الادب السوداني أختار قصته الفجوة في حوش كلتوم، إحدى روائع الادب السوداني، مع نظيرتها قصة محاكمة السمكة الكبرى للكاتب جونثان ميان من جنوب السودان .

يقولون اتسمت كتابات إبراهيم إسحق بالدقة والبنائية الصارمة المحكمة للألفاظ التي ينتخبها الكاتب بذائقته اللغوية المتميزة. ومقالاته وبحوثة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهموم المثقف السوداني، وله نزوع فوار تجاه إعادة قراءة التاريخ السوداني، وبخاصة ما يتصل بدارفور الحبيبة إلى نفسه، والتي اعتلقت بها رؤاه وعوالمه المفتوحة على الأصالة في بيئة آل كباشي".

وبعودته للسودان إعيد اكتشافه. واعترافا بفضله ارتقى مقعد رئيس اتحاد الكتاب السودانيين في العام 2009م أقام نحو عقدين من حياته بالرياض العاصمة. ثم آب إلى أم درمان. نال ابراهيم جوائزه في صمت. ولم يستنكف حين يدعى ليكون استاذا حكما على جوائز الأدباء، العالمية منها والوطنية أن يكون حكما لمسابقاتهم ومهرجاناتهم.

ليصيبه الداء مؤخرا. وعندما اشتد عليه المرض. لم يجد إلا حنو ابنته والتي شاءات اقدار الله أن يتوسد الثرى هناك. في ولاية تكساس. هيوستن خلف خليج المكسيك.  الآن نقلت وزارة الثقافة والإعلام السودانية، اليوم السبت 23 يناير 2021، 11 جمادى الآخرة 1442هـ إن الروائي إبراهيم إسحق توفي في الولايات المتحدة عن عمر ناهز 75 عاما.  ونعاه كجلس الوزراء.

والأن سيدنا، رحمك الله الرحمن الرحيم. نحن في سيرتك العطرة بعد أن غادرتنا.ز فها نعيد اكتشافك.

وهل ستكتشف امريكا. أن هذا الذي توسد الثرى على كنز من الأدب.. ليتهم يفعلون.. بل ليتنا نحن أهلوك جمعنا أدبك وجعلنا منه حلية في مناهج تعليمنا وانت معلمنا.. 

رحمك الله رحمة تدخلك في زمرة الذين لا خوف عليهم  ولا هم يحزنون. 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزياء الشعبية السودانية - الزي الرجالي

بقلم / سناءحامد إلياس  تختلف أشكال الزي الرجالي   بإختلاف الأقاليم و المناطق داخل السودان و لكن حديثنا سيكون عن الزي المتداول على أوسع نطاق .                     ( الجلابية  ) تصنع من القماش و هي فضفاضة ذات أكمام واسعة و ذلك لدخول الهواء و التبريد و جيوب على الجانبين و ذات فتحة أمامية و تغطي كامل الجسم بقامة الرجل . تتشابه في كثير من أقاليم السودان و أيضآ الغالب الأعم فيها اللون الأبيض قديما و قماشها قطني . فالسودان كما هو معروف يقع في منطقة حارة تحتاج إرتداء الأزياء القطنية التي تناسب هذه الأجواء . و هناك نوع آخر من الجلاليب  تثبت عليه الجيوب أعلى الصدر و الظهر ، و تبدو الجهتان الأمام  والخلف بنفس  الشكل ، و لهذا حكمة فعندما ينادى للنفير الذي يستوجب سرعة الإستجابة  فيرتديها الرجل بسرعة لتلبية النداء و يكون وضعها صحيحا . و هناك لباس آخر هو :                   (العلى الله) و هي عبارة عن قميص أقصر من الجلابية ،   ومعه سروال يصل إلي أخمص ...

قصة أغنية.. عشرة الأيام

 إعداد/ وصال صالح  تعتبر أغنية (عشرة الأيام) من روائع الغناء السوداني الحديث ومن أجمل الألحان التي قدمها العملاق عثمان حسين مع رفيق دربه الشاعر الفذ عوض أحمد خليفة.. خطوبة شاعر ولعشرة الأيام تحديداً قصص وحكاوي سردها فيما مضى الراحل عوض أحمد خليفة، إلا أن النواة الحسية والمعنوية لميلاد (عشرة الأيام) كانت خطوبة شاعرها من إحدى حسناوات أمدرمان التي أعجب بها إيما إعجاب، وبعد أن تقدم أهل وذوو الشاعر بالخطوبة لتلك الملهمة تم القبول والتوافق بين الأسرتين، إلا أن هنالك مستجدات طفت على السطح وهي سفر خليفة لأوروبا في بعثة عسكرية تأهيلية وقتها أحس أهل المخطوبة بأن ذلك المشروع سيأخذ وقتاً طويلاً يحسب من عمر الفتاة، وبعدها ساقت المقادير الموضوع برمته إلى هاوية الفشل والضياع حتى تقدم أحد أقرباء الفتاة وتمت الخطوبة ومن ثم الزواج وكل ذلك وعوض بأوروبا لذلك قال في بعض أبيات القصيدة (ليه فجأة دون أسباب ومن غير عتاب أو لوم – اخترت غيري صحاب وأصبحت قاسي ظلوم).. ترجمة (لايف) الأغنية كانت بمثابة شاهد إثبات على حساسية عوض الشاعرية العالية وإمكاناته الفنية المهولة فقد كتب الأغنية ولحنها وغناها وهو...

مرثية الشاعر /صلاح أحمد إبراهيم في صديقه الروائي / علي المك

معد المحتوى  / أ.عواطف إسماعيل/ لندن  الشاعر / صلاح أحمد إبراهيم  الشاعر الدبلوماسي صلاح أحمد إبراهيم ينعي صديقه   وصنو روحه البرفسور الروائي القاص والناقد علي المك  ولد علي محمد علي المك في مدينة أم درمان في ١٢ فبراير من عام ١٩٣٧م وتوفي في مدينة نيومكسيكو . تخرج في كلية الآداب جامعة الخرطوم وحصل على الدراسات العليا في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية . الروائي/ علي المك  في هذه القصيدة  نعى فيها البروفسور صلاح أحمد  إبراهيم صديقه علي المك من ديوان (نحن والردي) مدينته الآدمية مجبولة من تراب يتنطس أسرارها واثب العين منتبه  الأذنين يحدث أخبارها هل يرى عاشق مدن في الحبيب أي عيب؟ مدينته البدوية مجبولة من تراب ولا تبلغ المدن العسجدية مقدارها تتباهى على ناطحات  السحاب بحي سما أصله لركاب فاح شذى من "على" حين غاب جرت وهي حافية، في  المصاب تهيل الرماد على رأسها  باليدين تنادي على الناس:  وآحسرتا ويب لي   ويب لي  فقدنا الأديب، فقدنا النجيب، فقدنا اللبيب، فقدنا "على" فقدنا الذي كان زين  المجالس، ز...