✒بقلم : الصادق عبدالله
يقول أحد تلاميذه. دخل إلينا ونحن بعد طلابا على عتبة الثانوية. في مادة الأدب الإنجليزي شاب قصير، نحيف كث اللحية ذو عينين لامعتين ونظرات ثاقبة وجه تألفه لأول وهلة انيقاً في مظهره، مهذبا يتحدث ترسلاً ليس بالمتعجل ولا بالمبطئ في الحديث. أديب متفرد، موسوعي الاطلاع. متشبع بالتراث. نقل جماليات البيئة المحلية. ابراهيم كاتب تميز بدقة البناء الروائي.
كان ميلاد ابراهيم في العام ١٩٤٦ م. أي بعد عقد ونصف من الزمان من ميلاد أديبنا الطيب صالح. و اسم إبراهيم لمن يسبر سر اللغات إسم كبير بحساب الجمل.
أديب سوداني، روائي وقاص وكاتب. ولد بقريته الوادعة (ودَعة). بلدة من أعماق شرق دارفور منطقة أم كدادة. ليرتقى معارج تعليمه بتندلتي (فاشر السلطان) . يدخل إلى العاصمة أم درمان عبر معهد المعلمين العالي في العام 1969م ثم معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بالخرطوم العام 1984م.
سلك الدرب استاذا لمادة اللغة الإنجليزية تعليما وتعلما. أقام منذ مطلع العام 1982م في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية. مكث وعمل فيها بالتدريس لعقدين من الزمان. إلى أن رجع بعدها إلى السودان، في العام2006م. للاستقرار بالبلاد.
بدأ الاستاذ إبراهيم إسحاق حياته الأدبية بكتابة الشعر ، من ثم إنتقل إلى الرواية والقصة القصيرة، وكتب الكثير من المقالات في الصحف السيارة والمجلات العربية والأفريقية. يقولون ابراهيم ماهر بتقنيات اللغة. عناوين اقاصيصك سيدي لها تفرد مدهش. حدث في القرية، وبال في كلمندو، ناس من كافا، عرضحالات كباشية، حكايات من الحلالات، أخبار البنت مياكا (بنت من المجتمع). الطيب صالح من مرفأه البعيد يقول أنه يحس بالحسرة أنه لم يتعرف على عالم ابراهيم اسحق.. ذلكم العالم البعيد العجيب .
قال محدثي ، أحد زملائه . إبراهيم إسحق أيقونة سودانية لا تخطئها العين إذا كان أمام تلاميذه ، أو بين جلسائه ، أو حتى في الطريق من طرقات هذا البلد الخليجي.. يلتزم إبراهيم بزيه السوداني مكتملا جلبابا وعمامة . زوار بيته يعجبون من صالونه المكتبة. يدهشون لحلو طعامه في المندولة. يقول التقيته في الرياض. حيث عاش ابراهيم زمانا.. بعيدا عن الاضواء. إلا قليلا مما ينشر له. وإنه غير المعلوم عنه أنه قرا كل مكتبة خورطقت القسم الانجليزي على الاقل. صديق القراء.
الآن سيدنا بفقدك انفتحت سيدى فجوة الرواية في حوش الآداب السودانية. وكلتومة سيدي لا تزال في انتظار أم حنونة. كي تناولها دثارها. قالوا عنك أنك قامة أدبية سامقة. والذي ظهر لعيانهم مثل قمة جبل الجليد. وقد قالوا أن ابراهيم ظل يكتب صامتا. لكنهم استدركوا أنك منذ تخرجك وحتى عمرك الماسي ظللت تكتب بلا انقطاع. علموك أم جهلوك. وافوقك ودعموك أم اعترضوا اسلوبك الفريد.. كل ذلك لم يوقف سير واديك المنحدر.
خمسة وسبعون عاما. سيدنا وتمضي. وفي رفقتكم آدم ود مسبل. ولا تزال الجمال تسير تعرج على الشجيرات باطراف الدرب. تخطف أكلات عابرة في الصباح. ولا يزال سيدي ناس الحلة على شواهيهم.. كرومة ود شاخوت يفك الحمار وينشلح عليه. لم يبعد بعد من البيوت. الاولاد وأمهم لم يقفلوا باب بيتهم بعد. اليوم فقط سيدنا صحونا على نعيك. وما اشق ذلك علينا. في عمرك الماسي. وعيد ذهبي استاذنا من عمر منمنماتك الأدبية.
رحمك الله سيدي ايقونة الأدب السوداني مظهراً ومخبراً. بعد كل هذه الثراء الأدبي الموغل في المحلية، ها هو رفاتك يابى إلا أن يحل بعيدا هناك في هيوستن خلف خليج المكسيك في جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية. لو أنصفوك لكللوا بالتاج رأسك يا عظيم.
يقولون: عرف إبراهيم استاذا لمادة الادب الإنجليزي، كما لك يعرف مؤرخاً. ورغم تحليقه عاليا فوق روائع الروايات العالمية، ظل ابراهيم منمنما لرواياته وقصصه بلغته الام، باصوات حروفه وكلماته وفلكوره الموغل في بيئته التي أنجبته. لم تغره الرومانسية التي خيمت على جيله ونصوصهم. فعندما نحا الرواة السرديون نحو رومانسية.. بل خلاعة يزفون بها النصوص ظل ابراهيم ملتزماً حتى في شخوصه. يكتب (تسمرت كلتومة في فجوة الحوش منتظرة أم حنونة لتناولها التوب كيلا تعبر حاسرة أمام الرجل الغريب). وكل إنا يابراهيم بما في ينضح. تريدها محتشمة ويريدونها في إدبهم غير ذلك. رحم الله سميك ابراهيم الآخر موسى أبة: أيضا ارادها محتشمة لما قال بعز التوب وكت يتشال ويتفرا على الكتفين يتوه مرة. بعز التوب وسيد التوب.
وقد عرف جيل الخريجين وكثير من المعلمين بالتزام الزي الافرنجي وإطلاق الشعر والسراويل المنفرجة أحياناً والضيقة أحيانا أخرى. وربطات العنق المذكرشة. ظل أستاذ اللغة الإنجليزية في جلبابه السوداني الناصع البياض وعمامته ذات الذؤابة ولحيته ذاتها. ليصبح ابراهيم ايقونة عصره، مظهراً، نصاً وروحاً. كما تميز ابراهيم باصراره على استعمال اللهجة المحلية لانسان دارفور. اللغة الممعنة في المحلية. والتي رأها البعض حاجزا بينه وبينك سيدي. عرفوك بدءا في مهرجان المدرسة القديمة، قالوا كانت أسهل من غيرها.
وقد ظهرت اعمال ابراهيم اسحق خروجا عن نصوص مجلوبة وراء الحدود. وربما أضيع بعضها سهوا او غيره. ظهر ابراهيم بسمته ونصه. ظهر بين الحداثيين الذين استهوتهم أداب الشرق والغرب. استغرب البعض نصوصه. ورحب به البعض. قال البعض سمعنا فتي يقال له إبراهيم. المعجبون أشادوا ببنائه الفني. أخرون أزعجتهم لغة الأرياف في دارفور.
نشر له الشوش في مجلة الدوحة أعمال الليل والبلدة. نشر له قيلي أحمد عمر في مجلة الخرطوم، محمد عبد الحي نشر له بجريدة الصحافة، ثم أمتدت قصصه للايام ليكلل بنوط في مهرجانات الثقافة. اختار البروفسور على المك في مختارات الادب السوداني أختار قصته الفجوة في حوش كلتوم، إحدى روائع الادب السوداني، مع نظيرتها قصة محاكمة السمكة الكبرى للكاتب جونثان ميان من جنوب السودان .
يقولون اتسمت كتابات إبراهيم إسحق بالدقة والبنائية الصارمة المحكمة للألفاظ التي ينتخبها الكاتب بذائقته اللغوية المتميزة. ومقالاته وبحوثة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهموم المثقف السوداني، وله نزوع فوار تجاه إعادة قراءة التاريخ السوداني، وبخاصة ما يتصل بدارفور الحبيبة إلى نفسه، والتي اعتلقت بها رؤاه وعوالمه المفتوحة على الأصالة في بيئة آل كباشي".
وبعودته للسودان إعيد اكتشافه. واعترافا بفضله ارتقى مقعد رئيس اتحاد الكتاب السودانيين في العام 2009م أقام نحو عقدين من حياته بالرياض العاصمة. ثم آب إلى أم درمان. نال ابراهيم جوائزه في صمت. ولم يستنكف حين يدعى ليكون استاذا حكما على جوائز الأدباء، العالمية منها والوطنية أن يكون حكما لمسابقاتهم ومهرجاناتهم.
ليصيبه الداء مؤخرا. وعندما اشتد عليه المرض. لم يجد إلا حنو ابنته والتي شاءات اقدار الله أن يتوسد الثرى هناك. في ولاية تكساس. هيوستن خلف خليج المكسيك. الآن نقلت وزارة الثقافة والإعلام السودانية، اليوم السبت 23 يناير 2021، 11 جمادى الآخرة 1442هـ إن الروائي إبراهيم إسحق توفي في الولايات المتحدة عن عمر ناهز 75 عاما. ونعاه كجلس الوزراء.
والأن سيدنا، رحمك الله الرحمن الرحيم. نحن في سيرتك العطرة بعد أن غادرتنا.ز فها نعيد اكتشافك.
وهل ستكتشف امريكا. أن هذا الذي توسد الثرى على كنز من الأدب.. ليتهم يفعلون.. بل ليتنا نحن أهلوك جمعنا أدبك وجعلنا منه حلية في مناهج تعليمنا وانت معلمنا..
رحمك الله رحمة تدخلك في زمرة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
تعليقات
إرسال تعليق