التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أيقونة النضال ضد التمييز العنصري ... نيلسون مانديلا

        إعداد/ وصال صالح 

أيقونة النضال ضد التمييز العنصري
        نيلسون مانديلا

(العنصرية هي أول خطوة في إنهيار الشعوب ، وهي و إن دلت على شيء فإنها تدل على الغرور الزائف ،  والشعور بإختلاف الأجناس والطبقات النابع من الشعور بالنقص ، و لا يشعر بالتعصب الأعمى إلا كل جاهل فكرا ، وقاسي قلبا ، ولقد كانت العنصرية موجودة وما تزال موجودة ، و دائما ما يوجد أشخاص سوية تقف أمامها وتحاربها ، وتحاول القضاء عليها ، لتحقق العدل والمساواة لكل الناس .)
                                  نيلسون مانديلا
    

المولد و النشأة

ولد نيلسون مانديلا عام ١٩١٨م في جنوب إفريقيا ، وهو  أيقونة النضال   السياسي ضد التمييز  العنصري ، إذ ظل ردحا من الزمان يناضل ضد العنصرية والتعصب الإثني،  خصوصا الذي  مورس و حيك  ضد أصحاب البشرة السوداء .
أصبح نيلسون رئيسا  لدولة جنوب إفريقيا في العام  ١٩٩٤م ،  وكان أول رئيس أسود يحكمها ، وظل في الرئاسة لمدة  خمس سنوات  .
وعرف عنه بأنه رجل  العدل والسلام   وحب الخير .

التجربة السياسية

بدأ رحلته مع السياسة في العشرين من عمره ، فإنضم  سنة ١٩٤٢م  إلى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي المعارض لسياسة التمييز العنصري ، ونشط فيه ، وعمل على تحويله إلى حركة جماهيرية تستقطب مختلف الفئات الإفريقية ، وكان أحد مؤسسي "إتحاد الشبيبة" بالحزب .

وحين بدأ الحزب ما عُرِفَ "بحملة التحدي" تنقل مانديلا داخل البلاد محرضا على مقاومة قوانين التمييز العنصري ، فصدر حكم بسجنه مع وقف التنفيذ ، ومُنِع من مغادرة جوهانسبرغ ستة أشهر ، إستغلها لإعداد خطة لتحويل فروع الحزب إلى خلايا للمقاومة السرية .

إنجازات نيلسون مانديلا

في البداية كان نيلسون مانديلا  ناشطا في الكونغرس الإفريقي في العام ١٩٤٤م ،  ثم أصبح من مؤسسي الحزب و عين رئيسا للحزب  في  عام ١٩٥٠ م .
إفتتح نيلسون مانديلا أول مكتب للمحاماة له ، مع شريكه الذي يدعى أوليفر تامبو ، وكان ذلك في جوهانسبرغ في عام ١٩٥٢م .
مع  تامبو أسسا حملة لمكافحة التمييز العنصري ، حيث أن الحزب الوطني للبيض قد مسح العقول ، و شجع على إضطهاد السود .
  لقد  وجهت لمانديلا  تهمة الخيانة العظمى و عدد من النشطاء الآخرين ، إلا أن التهمة سقطت عنه بعد أربع سنوات .
مع تزايد الإضطهاد للسود في البلاد ، لدرجة أنهم حددوا أماكن معينة لكي يقيم فيها السود ، و لا يستطيعون العيش في أماكن أخرى ، وكذلك العمل حيث منعوهم من من أعمال معينة ، وسمحوا لهم ببعض الأعمال الأخرى ، عندما حمي وطيس العنصرية  بدأ مانديلا و رفاقه في مؤتمر الشباب الإفريقي  العمل سريا  لمناهضة التمييز العنصري ، و رغم ذلك إزداد الإضطهاد ، و إزدادت حوادث القتل من الشرطة للسود ، وحدثت مجزرة شنعاء عرفت  بإسم مجزرة شاربفيل  .

بعد فشل كل المحاولات السلمية من نيلسون مانديلا و أعوانه من النشطاء ، في تحقيق العدل والمساواة بين السود والبيض ،  إتجه إلى الحروب المسلحة ، عن طريق هدم الإقتصاد وتخريبه ، فألقي القبض عليه ، ووجهت له التهم بالتخريب و التحريض على العنف وقلب نظام الحكم ، و كان ذلك في عام ١٩٦٤م حيث حكم  عليه بالسجن مدى الحياة .
كان مانديلا ما يزال في السجن ، ورغم ذلك إستمر الشباب السود في حملاتهم ضد التمييز العنصري ، وحتى أطفال المدراس  إشتركوا في    الإنتفاضة و التي قتل فيها فيها المئات منهم  ، في عام ١٩٦٧م  حيث فرض المجتمع الدولي عقوبات ، بسبب التمييز العنصري المنتشر في جنوب إفريقيا ، وفي عام ١٩٨٠م ظهرت حملة أسسها تامبو الذي كان في المنفى ، لإطلاق سراح نيلسون مانديلا من السجن .

أطلق سراح نيلسون مانديلا عام ١٩٩٠م ، بعد الضغوطات التي حدثت في الفترة السابقة ، وتم رفع الحظر عن المؤتمر الإفريقي ، وتأسيس  نظم جديدة قامت  على الديمقراطية والمساواة  و أدانت العنصرية وكل أشكال التمييز .

حصل نيلسون مانديلا على جائزة نوبل للسلام ، عام  ١٩٩٣م ، وذلك بسبب جهوده في تحقيق العدل والمساواة ، ومحاربته لكل أشكال التمييز العنصري .

ساعد نيلسون مانديلا جمهورية بورندي في تحقيق السلام ، بعد عمليات القتل والإبادة الجماعية والحروب الأهلية فيها ، والتي  إستمرت لفترة عامين ، وقد قام بعمل عدة مفاوضات ،  إذ   تم بموجبها توقيع إتفاقية السلام في  عام ٢٠٠٠م .
إنتقد  مانديلا سياسة بوش القائمة على القتل ، وذلك في عدة خطابات له ، و عارض هجوم بوش على العراق في كلمته التي ألقاها أمام المنتدى الدولي للمرأة  ،
كما طلب  من إسرائيل ترك الأراضي الفلسطينية ووقف العنف ، وكذلك الإنسحاب من أي  إحتلال لها في الدول العربية، وذلك من خلال زيارته التي أجراها لقطاع غزة عام ١٩٩٩م  .

تقاعد مانديلا عن العمل  عام ٢٠٠٤م  ، إلا أنه إستمر بالنشاطات الخيرية ، وحضور المؤتمرات مع عدد من العلماء والحكماء ، للبحث عن حلول للمشاكل التي يتعرض لها العالم .

من أقواله ، نيلسون مانديلا في :

التمييز العنصري

إن مجرد حصول جريمة الفصل العنصري سيظل آفة لا تمحى في تاريخ البشرية. وستتساءل الأجيال القادمة قطعاً : ماذا الذي حصل حتى نشأ هذا النظام في أعقاب إعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ وسيظل إلى الأبد اتهاماً وتحدياً لجميع الرجال والنساء من ذوي الضمائر أن طال أمد هذا النظام قبل أن نهُب جميعاً ونصيح ''كفى''...

ونحن مقتنعون بأن حرمان أحدنا من حقوقه ، ينال من حرية الآخرين . لكن المسافة التي لا يزال من المتعين علينا أن نقطعها ليست طويلة . فلنقطعها معاً . دعونا ، من خلال أعمالنا المشتركة ، نحقق المقاصد التي أنشئت من أجلها هذه المنظمة ، وننشئ وضعاً يصبح فيه ميثاقها و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جزءًا من مجموعة من القوانين التي ستدرج في النظام السياسي و الإجتماعي لدولة جنوب أفريقيا الجديدة . إن نصرنا المشترك أكيد  .

لا بد أن يكون حتماً من المفارقات الكبرى في عصرنا مخاطبة هذه الجمعية العامة، للمرة الأولى في تاريخها الذي امتد تسعاً وأربعين سنة بلسان رئيس دولة ينتمي لجنوب أفريقيا ويختار من الغالبية الأفريقية في بلد أفريقي بطبيعته .

و سترى الأجيال المقبلة أنه من الغريب جداً ألا يتمكن وفدنا ،  إلا في وقت متأخر جداً من القرن العشرين ،  من شغل مقعده في الجمعية العامة ، معترفاً به على السواء من شعبنا ودول العالم بوصفه ممثلاً شرعياً لشعب بلدنا .

إن مما يبعث على السرور البالغ أن المنظمة ستحتفل في العام المقبل بالذكرى الخمسين لإنشائها وقد اختفى نظام الفصل العنصري وأصبح من مخلفات الماضي . لقد تحقق هذا التغير التاريخي ، على الأقل بفضل الجهود الكبيرة التي قامت بها الأمم المتحدة لكفالة قمع جريمة الفصل العنصري بحق البشرية ....

ويتعين علينا أن نكفل في كل ما نفعله شفاء الجراح التي ابتلي بها شعبنا كله عبر الخط الفاصل الكبير الذي فرضته على مجتمعنا قرون من الاستعمار والفصل العنصري . ويجب علينا أن نكفل أن يصبح اللون والعرق والجنس مجرد هبة منحها الله لكل فرد وليس علامة لا تمحى أو خاصية تمنح مركزاً خاصا لأي منا .

ويجب علينا أن نعمل من أجل ذلك اليوم الذي نرى فيه نحن أبناء جنوب أفريقيا بعضنا بعضاً، ونتفاعل بعضنا مع بعض، بوصفنا بشراً متساوين وجزءًا من أمة واحدة موحدة، وليس كإرب ممزقة بفعل اختلافها.+&

إن الطريق الذي يتعين علينا أن نقطعه للوصول إلى هذه الوجهة لن يكون هيّناً بأي حال من الأحوال . وكلنا يعلم كيف تستطيع العنصرية أن تعلق بالأذهان بعناد وبأي قدر من العمق يمكن لها أن تصيب الروح البشرية . ويمكن لهذا العناد ، حينما يؤازره الترتيب العنصري للعالم المادي ،  كما هو الحال في بلادنا ،  أن يضاعف مئات المرات .

بيد أنه مهما تكن مشقة هذه المعركة ، فإننا لن نستسلم . ومهما   إستغرقت من وقت ،  فإننا لن نكل .
إن مجرد كون العنصرية تفسد المذنب والضحية على السواء يقتضي منا ، إذا ما كنا صادقين في إلتزامنا بصون الكرامة البشرية ، أن نكافح حتى يتحقق النصر .

المصالحة
نحن في جنوب أفريقيا مقتنعون بأن من الممكن والعملي بلوغ هدفنا المتمثل في تهيئة حياة أفضل للجميع في أقصر وقت ممكن . ونستمد ثقتنا من أننا نعلم أن هذه رؤية مشتركة لدى الأغلبية الساحقة من مواطني جنوب أفريقيا على اختلاف ألوانهم و  إنتماءاتهم السياسية .

و نحن نقدر دور المجتمع الدولي حق قدره في تحقيق هذا الأمر ـ لا بالدعم المادي فقط. و إذا كان بوسعنا اليوم أن نتحدث بكل فخر عن أمة قوس قزح ، الموحدة في تنوع ثقافتها و أديانها و أجناسها و لغاتها و أعراقها ، فإنما تأتى ذلك لأن العالم وضع لنا مثالاً أخلاقياً تجرأنا على اقتفاء أثره .

و لابد لهذا الإنجاز أن يستمر لأنه يقوم على إدراك أن المصالحة و بناء الدولة يعنيان ،  في جملة أمور أخرى ،  أن نسعى إلى معرفة حقيقة الماضي الرهيب ،  و أن نضمن عدم تكراره . و لهذا يجب ألا تكون مصالحتنا مجرد فترة إستراحة قبل أن تستحكم من جديد مرارة الماضي .

وندرك أيضاً أن المصالحة وبناء الدولة ستظل كلمات جوفاء إذا لم تكن مبنية على جهد منسق لإجتثات الجذور الحقيقية لماضي الصراع والظلم . فأمننا الوطني وبقاء ديمقراطيتنا الفتية يتوقفان ، قبل كل شيء آخر ، على برنامج تلبية الإحتياجات الأساسية للشعب .  وستضمن إعادة الإعمار والتنمية لجميع مواطني جنوب أفريقيا نصيباً في الحياة ، و مصلحة مشتركة في رفاهية البلد ككل .

لقد ساورت الشكوك الكثير من الناس بشأن قدرتنا على تحقيق المثل الأعلى المتجسد في أمة متعددة الأعراق . وصحيح أن جنوب أفريقيا في كثير من الحالات كانت على حافة الدمار بسبب الخلافات . ولكن دعونا نؤكد من جديد هذا الأمر هنا في هذا اليوم :
إن ما يفرقنا ليس هو تنوعنا ولا هي أعراقنا أو أدياننا أو ثقافاتنا . وبما أننا نلنا حريتنا، فلا يمكن أن يكون بيننا إلا فيصل واحد : يفصل بين أولئك الذين يتعلقون بالديمقراطية وأولئك الذين لا يتعلقون بها !

وبما أننا محبون للحرية، فإننا نريد أن نرى بلدنا ينعم بالازدهار ويوفر الخدمات الأساسية للجميع .  لأن حريتنا لن تكون كاملة ولا ديمقراطيتنا مستقرة ما لم تُلبى الاحتياجات الأساسية لشعبنا . ولقد رأينا الاستقرار الذي تجلبه التنمية . وبالتالي نحن نعلم أن السلام هو أقوى سلاح يمكن أن يتسلح به أي مجتمع أو دولة لتحقيق التنمية .

وإذ نعيد بناء بلدنا، ينبغي أن نَحْذَر أعداء التنمية والديمقراطية، حتى وإن خرجوا من صفوفنا. ولن يقربنا العنف من تحقيق أهدافنا .

وينبغي أن نسأل أنفسنا جميعاً السؤال التالي : هل فعلتُ كل ما في وسعي لإحلال السلام ال

الازدهار في مدينتي وبلدي ؟

حقوق الإنسان

وإنه لمن المناسب تماماً، أن تذكر هذه الدورة الثالثة والخمسون [للجمعية العامة] عبر العصور بوصفها اللحظة التي خلدنا واحتفلنا فيها بالذكرى السنوية الخمسين لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إن هذا الإعلان الذي ولد في أعقاب هزيمة الجريمة النازية والفاشية ضد الإنسانية، تعلق به الأمل في أن تبنى جميع مجتمعاتنا، في المستقبل، على أسس الرؤية الرائعة التي تجلت في كل بند من بنوده.

وبالنسبة للذين اضطروا للكفاح من أجل تحررهم، أولئك الذين كان عليهم ـ مثلنا ـ أن يقوموا، بفضل مساعدتكم، بتحرير أنفسهم من نظام الفصل العنصري الإجرامي، جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليقرر عدالة قضيتنا. وفي الوقت نفسه، فإنه يشكل تحدياً لنا بأن حريتنا، متى تحققت، ينبغي أن تكرس لتنفيذ الرؤى التي احتواها الإعلان.

واليوم، نحتفل بكون هذه الوثيقة التاريخية سلمت من خمسة عقود مضطربة، شهدت بعض أكثر التطورات خروجاً عن المألوف في تطور المجتمع البشري. منها انهيار النظام الاستعماري، وانقضاء عالم ثنائي القطبية، وانطلاقة مذهلة في العلوم والتكنولوجيا وترسيخ عملية العولمة المعقدة.

إلا أنه في نهاية هذا كله، لا يزال البشر الذين هم موضوع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تحيق بهم الحروب والنزاعات العنيفة. إنهم مع هذا لم يتحرروا من الخوف من الموت الذي قد يلحقه بهم استخدام أسلحة الدمار الشامل وكذلك الأسلحة التقليدية...

هذه على الأرجح المرة الأخيرة التي يحصل لي فيها شرف الوقوف على هذه المنصة للتحدث إلى الجمعية العامة.

لقد ولدت بينما كانت الحرب العالمية الأولى تضع أوزارها، وأغادر ساحة الحياة العامة بينما يسجل العالم مضي نصف قرن على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فبلغت من المسيرة الطويلة المرحلة التي تعطى لي فيها الفرصة، كما ينبغي أن تعطى لجميع الرجال والنساء، لأتقاعد، كي أخلد إلى بعض الراحة والهدوء في القرية التي هي مسقط رأسي.

وبينما سأجلس في كونو، قريتي، ويتقدم بي العمر ليضاهي عمر تلالها، سيظل يحدوني الأمل في ظهور جيل من الزعماء في بلدي ومنطقتي، في قارتي وفي العالم، لن يسمحوا بأن ينكر على أحد حريته كما أنكرت علينا؛ ولا بأن يحول أحد إلى لاجئ كما حولنا؛ ولا أن يحكم على أحد بأن يجوع كما حكم علينا؛ ولا أن يجرد أحد من كرامته الإنسانية كما جردنا.

وسأظل آمل أن تضرب نهضة أفريقيا جذورها في عمق الأرض، وتزهر إلى الأبد، بصرف النظر عن تغير المواسم.

فإذا ما تحولت كل هذه الآمال إلى حلم قابل للتحقيق، وليس إلى كابوس يقض مضاجع الشيوخ، عندئذ سأشعر حقا بالسلم والطمأنينة. وآنئذ سيعلن التاريخ وبلايين الناس في العالم كله أننا كنا محقين في حلمنا، وأنا جهدنا كي تدب الحياة في حلم قابل للتحقيق .

مكافحة الفقر

لقد أبانت جنوب أفريقيا عن قدرة هائلة على التآزر في مواجهة الشدة. فلقد سقط نظام الفصل العنصري في نهاية المطاف بفضل وحدة أولئك الذين حرموا من حقوقهم، ولأن جميع شرائح المجتمع أدركت بأنها ستكسب الشيء الكثير من العمل يداً في يد بدل التناحر. وتلك الخصلة بالذات هي التي ساعدتنا على التعجيل بإرساء أسس حياة أفضل.

وعندما انتهى الفصل العنصري واجهنا مهمة شاقة تمثلت في إعادة بناء مجتمعنا المحطم وتوفير أبسط الخدمات لشعبنا. وكان علينا أن نبني المدارس والمستشفيات، وتوفير السكن وفرص العمل، وتعزيز اقتصادنا، وحماية حقوق أهالينا عن طريق دستورنا ومحاكمنا، ومساعدة جنوب أفريقيا على معالجة انقسامات ماضيها وبدء عملية التعافي، والتصدي للعنف والحيف اللذين حاقا بمجتمعاتنا.

وكانت مهمتنا أساساً هي تهيئة الظروف التي من شأنها أن تتيح لكل مواطن في جنوب أفريقيا فرصة بناء حياة أفضل لنفسه. لكن الحكومة لا يمكنها أن تواجه هذه التحديات بمفردها. إذ أنها تتطلب منا جميعاً أن نتعاون سوياً، في شراكة، من أجل إحداث التغييرات الضرورية.

ولتحقيق هذه الأهداف، يلزمنا تحويل الحكومة من نظام يخدم مصالح الأقلية إلى نظام يلبي احتياجات جميع مواطني جنوب أفريقيا. وتعين القيام بكل هذه الأمور في بلد لم تتح لمعظم الناس فيه فرصة تجربة الحكم أو الحصول على تعليم وتدريب ملائمين. ولهذا السبب ركزنا كثيراً على بناء القدرات في الحكومة...

وعندما نقول إنه لا يمكن العثور على أفضل الحلول لهذه التحديات إلا عندما نعمل يداً في يد، فإن الأمر يتطلب التزام كل واحد منا. واليوم علينا أن نسأل أنفسنا جميعاً: ماذا فعلت لتحسين المحيط الذي أعيش فيه؟ هل نثرت الأزبال أم عملت على حماية محيطي؟ هل أبث البغضاء العنصرية أم أروج للسلام والمصالحة؟ هل أقتني المسروقات أم أعمل على الحد من الجريمة؟ هل أدفع ما علي من مستحقات أم أنني أغش في دفع ضرائبي، ورسوم الخدمات والرخص؟ هل أتوقع أن يتم تسليم كل شيء لي أم أنني أعمل مع أعضاء مجلسي المحلي لتهيئة حياة أفضل لنفسي ولمجتمعي المحلي؟

ما دام الفقر والظلم والتفاوت الفاحش قائماً في عالمنا، فلن يرتاح لأحد منا بال حقاً. ولن ننسى أبداً كيف تضامن معنا ملايين الناس في شتى أنحاء العالم لمكافحة الظلم والاضطهاد عندما كنا في السجون. وأتت تلك الجهود أُكلها وأصبحنا قادرين على الوقوف هنا والانضمام إلى الملايين من الناس في شتى أنحاء العالم من المناصرين للتحرر من الفقر.

إن شدة الفقر وفظاعة انعدام المساواة آفتان رهيبتان من آفات عصرنا ـ هذا العصر الذي يفتخر فيه العالم بتحقيق إنجازات هائلة في العلوم والتكنولوجيا والصناعة وتراكم الثروات.

ونعيش في عالم خطت فيه المعرفة والإعلام خطوات جبارة، ومع ذلك يحرم الملايين من الأطفال من ارتياد المدارس. ونعيش في عالم يهدد فيه وباء الإيدز نسيج حياتنا. ومع ذلك، فإننا ننفق على الأسلحة ما لا ننفقه على ضمان علاج الملايين من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية وعلى رعايتهم.

إنه عالم واعد ومفعم بالأمل ،  بل هو أيضاً عالم من اليأس والمرض والجوع .

والتغلب على الفقر لا يكون مِنّة ، وإنما هو إحقاق للعدل . وهو حماية حق أساسي من حقوق الإنسان ، ألا وهو الحق في الكرامة والحياة الكريمة .  وما دام الفقر قائماً ، فلن تكون ثمة حرية حقيقية .
والخطوات المطلوبة من الدول المتقدمة النمو واضحة .
أولاها ضمان عدالة التجارة . وقد سبق لي أن قلت أن عدالة التجارة هي وسيلة مجدية حقاً للدول المتقدمة لإظهار الإلتزام بإنهاء الفقر في العالم . وثانيها وضع حد لأزمة ديون الدول الفقيرة . وثالثها تقديم المزيد من المعونة والحرص على أن تكون معونة من أعلى جودة .

بناء السلام

السلام ليس مجرد إنعدام القتال ؛ بل إن السلام هو تهئية بيئة يزدهر فيها الجميع ، بصرف النظر عن عرقهم أو لونهم أو معتقدهم أو جنسهم ، أو طبقتهم ، أو طائفتهم أو أي سمة إجتماعية مميزة . فالدين والعرق واللغة والممارسات الثقافية عناصر تغني الحضارة البشرية ، وتضيف إلى ثراء تنوعنا . فلماذا نسمح لها بأن تكون سبباً للتفرقة والعنف ؟ إننا نحط من قدر إنسانيتنا المشتركة إن سمحنا بذلك .

لا يزال ثمة قدر مفرط من الشقاق والكراهية والتفرقة والصراع والعنف في عالمنا هذا في بداية القرن الحادي والعشرين . و لعل العناية الأساسية بالآخرين في حياتنا الفردية والجماعية من شأنها أن تسهم إسهاماً كبيراً في جعل هذا العالم مكاناً أفضل يراودنا بقوة حلم تحقيقه.... فما أسهل التخريب والتدمير  ،  بيد أن الأبطال هم أولئك الذين يصنعون السلام ويشيدون . 











تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهودج ( الشبرية )

إعداد : أ. ماريا عبدالله   أ.علوية كرم الله  الهودج أو الشبرية :                                        هو / هي عبارة عن منزل مترحل أوغرفة صغيرة علي ظهر الجمل"الإبل"  أو الثور أو الفيل عند الهنود . يصنع من الأقمشة القوية"السميكة" الملونة بالألوان الزاهية .ويشد علي أعواد قوية ويربط علي سرج الإبل أو الثور .  ويستخدم عند العرب الرحل مثل البقارة أو الأبالة في كردفان  (غرب السودان) ، يستخدم لحمل النساء والأطفال وكبار السن داخله لحمايتهم من تقلبات الطقس المختلفة ويوفر لهم الراحة من طول الطريق والتنقل من منطقة إلى  منطقة أخرى ، كما يستخدم في ترحيل  العروس ، و عادة ما يكون مغلق بالكامل .  وفي الماضي إستخدم في  الحرب كما حملت فيه السيدة عائشة رضي الله عنها ذكر في قصة الإفك .    يصنع الهودج  من حطب شجر الشحيط ،  يتم ربطه بجلد الإبل ، المفارع والجربان والظبا وايد القايقة والوسادة .  وتختلف تسميته عند العرب البدو يسمي المركب ا...

🎸وتريات 🎸 آلة الطمبور🎸

🔹️ إعداد  : أ. نجاة سعيد  آلة موسيقية شعبية وحدت الوجدان السوداني بأنغامها الدافئة . من بين جميع الآلات الموسيقية التي يعرفها السودانيون يبرز الطمبور كآلة وترية تمكنت ، على بساطتها، من أن تعبر عن وجدان السودانيين وتدلل على ذوق موسيقي رفيع ؛ تعكسه لقاءات الأهل والأصدقاء للإستماع لعزف الطمبور بالسلم الخماسي الذي إشتهر به موسيقيو السودان. ويعتبر الطمبور من أشهر الآلات الموسيقية الشعبية المنتشرة في السودان ، ويعتمد في صناعته على مواد من البيئة المحلية ، وإحتلت موسيقاه حيزا كبيرا من الساحة الفنية خاصة في الآونة الأخيرة . ورغم الإنطباع السائد أن مناطق شمال السودان هي مناطق إنتشار الطمبور ، إلا أننا في الواقع نجده حاضرا في كافة أنحاء البلاد بما فيها الجنوب الذي أصبح دولة قائمة بذاتها بعد إنفصاله عن شمال السودان ، الشيء الذي أعطى هذه الآلة تميزا واضحا دون الآلات الأخريات ، مما يجعلنا نراها ، أيقونة لتوحيد وجدان السودانيين بتنوعهم العرقي والثقافي والجغرافي . ​ويقول الباحث السوداني في فن الطمبور، عبد الرحمن الحسينابي ، لوكالة "سبوتنيك"، "وفقا للمعاجم العربية ترجع بدايات ...

بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت .. الشاعر و الدبلوماسي/ محمد المكي إبراهيم

إعداد أ.عواطف إسماعيل  مؤسس مجموعة الغابة و الصحراء الشاعر و الدبلوماسي محمد المكي إبراهيم بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت ... يعتبر الشاعر والدبلوماسي  / محمد المكي إبراهيم من أبرز مؤسسي مجموعة الغابة والصحراء ، التي ترمز إلى الإنتماء العروبي والأفريقي ، ويعتبر المكي أن مدرسة الغابة والصحراء تعتبر حلا لجدل الإنتساب الذي شغل السودانيين كثيرا خصوصا وأن البعض يرى أن السودان بلدا عربيا في ما يرى البعض الآخر انه بلد أفريقي . ولد الشاعر الدبلوماسي الذي غادر هذا المجال بعد صعود ثورة الإنقاذ إلى سدة الحكم ، في مدينة الأبيض بغرب السودان عام ١٩٣٩م . وتخرج في كلية القانون بجامعة الخرطوم ، ليلتحق بعد ذلك بوزارة الخارجية التي عمل بها لثلاثين عاما ، ثم تركها ليهاجر ويستقر به الحال في الولايات المتحدة الأمريكية . نال محمد المكي إبراهيم العديد من الجوائز ، أهمها وسام الآداب والفنون عام ١٩٧٧م ، كما ترجمت دواوينه إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية . وقد صدرت له أربعة دواوين شعرية هي : * (أمتي)  ١٩٦٨م * ( بعض الرحيق انا والبرتقالة أنت) عام  ١٩٧٢م   * ( يخت...